وقولهم: إنه به حاجة إلى العقود [دون الشهادة، لا يصح، لأنه يجوز أن يكون وكيلًا لغيره في العقود] وإن لم تدع الحاجة إليه، وقد تتعين عليه شهادة تحملها قبل الخرس، فتدعو الحاجة إلى سماعها منه.

قال: وتقبل شهادة الأعمى فيما تحمله قبل العمى، أي: على من عرف اسمه، ونسبه، لأنه مساوٍ للبصير في العلم بذلك، والبصير يجوز أن يشهد والحالة هذه وإن لم ير المشهود عليه لغيبة أو موت، فكذلك الأعمى يجوز أن يشهد عليه وإن لم يره، وهكذا نقول من طريق الأولى لو عمي بعد الشهادة وقبل الحكم.

ولا يقال: إن العمى نفسه مانع من الشهادة كالفسق، لأنا نقول: هو معنى طرأ بعد الشهادة، لا يورث تهمة في حال الشهادة، فلا يمنع الحكم بها، كالموت والعداوة، بخلاف الفسق، فإنه يورث تهمة في حال الشهادة، وهذا ما نص عليه.

نعم، لو كان من طرأ عليه العمى قاضيًا، وقد سمع الشهادة على رجل باسمه ونسبه، فعمي قبل الحكم- هل يحكم؟

حكى الإمام ومن تبعه فيه وجهين، والذي حكاه القاضي الحسين منهما: أنه يحكم، وعليه فرع العراقيون، فإن صاحب ((البحر)) قال: قال أصحابنا: يجوز له في مثل هذه الصورة أن يقضي بعلمه إذا جوزنا القضاء بالعلم، أما إذا كانت الشهادة على معين بالإشارة، دون أن يعرف اسمه ونسبه، لم تصح الشهادة منه عليه بعد العمى، كما لا تصح الشهادة عليه من البصير إذا كان غائبًا والحالة هذه، اللهم إلا أن تكون يده في يده، ولم يفارقه بعد طروء العمى عليه إلى القاضي، فإنه تسمع شهادته عليه، كما قاله الماوردي وغيره.

قال: ولا تقبل [شهادته] فيما تحمله بعد العمى، لانسداد طريق المعرفة عليه مع اشتباه الأصوات التي يقدر الإنسان على التصنع فيها، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الحديث.

فإن قيل: إذا عرف الشخص، وألف صوته، ينبغي أن تسمع شهادته عليه، كما يحل له أن يطأ زوجته بمثل ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015