وإن كان الشيء مما لا يقصد بالإشهاد، مثل أن يرى رجلًا غصب مال رجل، فإنه يجوز أن يتفق مثل هذا، فتقبل شهادته فيه.
قال: وتقبل شهادة الأخرس، أي: إذا كانت له إشارة مفهمة، لأن إشارة الأخرس كعبارة الناطق في نكاحه، وطلاقه، وبيعه، وشرائه، وجميع الأمور، كما قال البندنيجي في باب حد الزنى، فكذا في شهادته، وهذا ما نسبه البندنيجي في باب حد الزنى إلى أبي إسحاق، وهنا إلى ابن سريج، وهو المذكور في ((الحاوي)) في مواضع.
وقيل: لا تقبل، لأن الإشارة لا تصرح، وإنما تعرف بالاستدلال الظن، ولا حاجة بالقاضي [إلى] إقامة الظن مقام العلم، لأنه يمكنه أن يستشهد غيره، بخلاف العقود، فإنها لا تستفاد إلا من جهته: إما بعقده، أو بإذنه، فكان تصحيحه للضرورة، وهذا ما صححه النواوي، والغزالي في كتاب اللعان، وحاكه البندنيجي في باب حد الزنى عن النص، وقال هنا: إنه المذهب. وكذلك الماوردي قال هنا وفي كتاب الأقضية: إنه المذهب. وفي كتاب اللعان: إنه [الذي] عليه جمهور أصحابنا، وهما في ذلك متبعان للشيخ أبي حامد، فإن هذه طريقته، كما حكاها ابن الصباغ.
قال: والأول [أصح]، لما ذكرناه، والشيخ فيه موافق لأبي عبد الله الحناطي، وشيخه [القاضي] أبي الطيب، فإن القاضي في باب حد الزنى حكاه عن رواية ابن المنذر عن المزني [عن مذهب الشافعي، وقال هنا: إنه حكاه أبو بكر بن المنذر عن المزني].
وإني سمعت أبا عبد الله الحناطي يقول: إنه المذهب، وإن أبا العباس قال: لا يسمع. وكان رجلًا حافظًا لكتب الشافعي، وكتب أبي العباس.
وقد ذكر المزني هذه المسألة في ((الجامع الكبير))، وذكر أن الذي يجيء على قياس قول الشافعي أن شهادته تصح، كما في نكاحه، ولم أحد للشافعي نصًا، وإنما وجدت هذا في كتاب المزني، وهو أعلم بمذهب الشافعي وما تقتضيه أصوله من غيره.