وما كان بهذه الفضيلة امتنع أن يكون مسترسلًا في البذلة، وليس ما فعله الصدر الأول بذلة، لأنه لم يخرج عن فعل أهله في الزهادة والانحراف عن الدنيا إلى الآخرة.
والثالث: إن كان نشأ عليها من صغره لم تقدح في عدالته، وإن استجدها في كبره، قدحت في عدالته، لأنه يصير بالمنشأ مطبوعًا بها، وبالاستحداث مختارًا لها.
والرابع: إن اختصت بالدين قدحت في عدالته: كالبول قائمًا، وفي الماء الراكد، وكشف عورته إذا خلا، وأن يتحدث بمساوي الناس. وإن اختصت بالدنيا لم تقدح في عدالته: كالأكل في الطريق، وكشف الرأس بين الناس، والمشي حافيًا، لأن مروءة الدين مشروعة، ومروءة الدنيا مستحسنة.
واعلم أن الشيخ عد الكناس، والنخال، والقمام، والقيم في الحمام- ممن لا مروءة له، لأن تعاطيه هذه القاذورات وملازمته لها تدل على قلة مروءته، وكونها صنائع لا يمنع ذلك.
لكن القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين أدرجوا ذلك في قسم أصحاب المكاسب الدنيئة التي سنذكرها من بعد، فأجروا فيها الخلاف.
وعن أبي الفياض حكاية وجه فارق بين ما يحوج إلى مخامرة القاذورات والنجاسات، فترد به الشهادة، وبين ما لا يحوج إليه فلا ترد، فكأن الشيخ أخذ بها في ملابسه القاذورات، لكونه رآه أظهر فيها.
وحكى الخلاف فيما لا يلابس فيه القاذورات، لأنه أبعد عن الدناءة، ولهذا رجح أنه لا يمنع القبول.
وحكى القاضي [الحسين] عن الدراكي: أنه قال: لا تقبل شهادة الحمامي الذي يجلس على القبالة، لأنه ينظر إلى عورات الناس، فإن كان ممن يتورع عن ذلك قبلت شهادته.
وحيث رددنا الشهادة بما ذكر، فذاك إذا اتخذه عادة.
قال الأصحاب: ولو اتخذ الحمام للأنس أو الاستفراخ، أو لإنفاذه بالكتب لم يترد شهادته، وكذا إذا اتخذها ليطيرها وينظر تقلبها في الجو، ولم يلحقه