وقد حاكم علي يهوديّاً إلى شريح في دِرْع وهو قاضيه، وعمر حاكم [أبي ابن] كعب إلى زيد بن ثابت، وعثمان حاكم طلحة إلى جبير بن مطعم، ولم ينكر [ذلك] أحد.
والفرق بين القاضي والإمام على هذا الوجه: أن القاضي يمكنه الترافع إلى قاض آخر [أو إلى] الإمام، وليس كذلك الإمام لو امتنع ذلك.
وقد استدل بعضهم على جواز حكم الخليفة لقاضيه بفعل هؤلاء الصحابة- رضي الله عنهم- والفرق الذي ذكرناه يمنع الاستدلال، وما ذكره الشيخ من منع الحكم للوالد ونحوه هو المشهود في الطرق.
وقد اختلف كلام الماوردي [فيه]:
فقال قبيل كتاب الشهادات: إن حكمه لهم مردود في قول جميع الفقهاء، وحكي عن أبي ثور جوازه [كالحكم] لغيره. قال: وهو خطأ؛ لأن الحكم أقوى من الشهادة، وهو ممنوع من الشهادة لهم؛ فكان أولى أن يمنع من الحكم [لهم].
وقال [قبل "كتاب] قاض إلى قاض" بأربع أوراق: في جواز حكمه لوالديه ومولوديه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجوز حكمه لهم كالشهادة.
والثاني: يجوز، وإن لم يجز أن يشهد لهم؛ لأن طريق الحكم ظاهر، وطريق الشهادة باطن؛ فتوجهت إليه التهمة في الشهادة، ولم تتوجه إليه في الحكم.
والثالث: أنه يجوز أن يحكم لهم بالإقرار، ولا يجوز أن يحكم لهم بالبينة؛ لأنه [قد] يتهم بأنه يعدل [منها ما ليس بعدل]، ولا يتهم في الإقرار.
وكلام الإمام يقرب من هذا؛ لأنه قال بعد حكاية ما ذكره الشيخ عن الأصحاب: