والتودد للمبذول له: فإن كان لمجرد نفسه فهدية، وإن كان ليتوسل بجاهه إلى أغراض ومقاصد: فإن كل جاهه بعلم أو نسب أو صلاح فهدية، وإن كان بالقضاء والعمل بولاية فرشوة.
وقد تقدم في هذا الباب حكم البذل في هذه الحالة.
قال القاضي أبو الطيب في "تعليقه"، وكذا الشيخ أبو حامد كما حكي عنه: إن تحريم أخذ الرشوة على الحاكم إذا كان [له رزق] من بيت المال، فأما إذا لم يكن له رزق، [أي]: وكان ممن يجوز أن يفرض له، فقال للمتحاكمين: لست أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقاً [عليه]- فإنه حينئذ يحل له ذلك. [وعلى ذلك] [جرى] الجرجاني في "التحرير".
قال ابن الصباغ: ويجوز مثل ذلك؛ لأنه لم يذكر أنه طلبه من أحدهما، وأما أخذه من أحدهما للحكم بالحق، فإنه يجري مجرى الهدية، وسنذكرها.
واعتبر البندنيجي في جواز ذلك: أن يكون مشغولاً في معاشه بحيث يقطعه النظر عن اكتساب المادة؛ كما [قاله في "الحاوي"]، أما إذا لم يقطعه إما لغنائه بما يستجده، وإما لقلة المحاكمات التي لا تمنعه من الاكتساب- لم يجز أن يرتزق من الخصوم، ثم اعتبر [الماوردي] في حالة الجواز- مع ما ذكرناه- ثمانية شروط:
أحدها: أن يعلم به الخصمان قبل التحاكم إليه، فإن لم يعلما إلا بعد التحاكم لم يجز أن يرتزقهما.
الثاني: أن يكون على الطالب والمطلوب، ولا يأخذ من أحدهما فيصير [به]