وجوب الحكم بينهم، فإنهم لما حرموا الزنى والسرقة في دينهم كذلك حرموا الغضب وتغييب الودائع، ونحوها، ثم ذلك يخرج على القولين؛ فكذلك الزنى والسرقة.
وهذا الاحتمال قد صرح به منقولا الماوردي في كتاب السرقة، [والتفرقة] بين أن يزني بمسلمة، أو يسرق مال مسلم، أو يكون ذلك في أهل الذمة، وقد حكى الرافعي في كتاب النكاح شيئا منه عن صاحب "التهذيب" وغيره؛ حيث قال: إنهم قالوا: إقامة حد الزنى والسرقة عليهم للإمام إذا قلنا: يجب الحكم بينهم، أما إذا قلنا: لا يجب الحكم بينهم؛ فلا يقام الحد عليهم إلا بالرضا.
ورأيته في "التهذيب" في هذا الكتاب، وقال: إنه لا فرق في ذلك بين أن يسرق مال مسلم أو ذمي، أو يزني بمسلمة أو ذمية، وقد ذكرت في باب اللعان شيئا يتعلق بهذه المسألة فيطلب منه.
وإذا تأملت ما حكيته عن الإمام والماوردي والبغوي ظهر لك [في المسألة] ثلاثة أوجه.
قال الماوردي: وإذا لم يحدهم [حد الزنى] على الزنى بذمية فذاك [لا ينقض عهدهم]، لكن لا يقرون على ارتكاب الزنى في دار الإسلام؛ لأنها تمنع من ارتكاب الفواحش فيستتابون [منه]، فإن تابوا، وإلا نبذنا إليهم عهدهم.
قال القاضي أبو الطيب: ثم لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون حكم [أهل] الذمة [فيما اعتقدوا تحريمه] موافقا لحكم الإسلام، أو لا؛ لقوله تعالى: {وإن أحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49]؛ ولأن حكم التوراة والإنجيل [قد نسخ]؛ فوجب أن يحكم بالناسخ دون المنسوخ.