قال: وإن استأجر أرضاً للزراعة لم يجز حتى يكون لها ماء يؤمن انقطاعه، كماء النهر والمد بالبصرة والثلج والمطر في الجبل؛ ليثق بحصول المعقود عليه.
قال: وإن كان بمصر لم يجز حتى يروي الأرض بالزيادة .. أي: إذا لم يكن لها شرب إلا من ماء النيل؛ لأن نيل مصر خوان لا يوثق بحصوله، بخلاف ما يروى من الأراضي بمد البصرة، فإنها يجوز إجارتها للزرع قبل ريها بالمد باتفاق الأصحاب كما حكاه الإمام؛ لأنه أثبت من كل ما عد، وكذا إجارة الجبل للزراعة قبل أوان المطر ووقوع الثلج الذي يكفي الأرض نداوته؛ لأن ذلك معلوم الوقوع والقليل منه يكفي كالكثير.
ثم الظاهر أن ما أطلقه الشيخ في أرض مصر محمول على ما إذا كانت لا تروى بما يزيد من الماء في الغالب، كخمسة عشر ذراعاً فما دونها، أو كانت تروى من ذلك لكنه لا يتهيأ الاشتغال بعمارة الأرض بالزرع قبل حصول الماء عليها، كما صرح به ابن الصباغ والمتولي وأبو الطيب، أما إذا كانت الزراعة ممكنة قبل حدوث الزيادة وكانت الأرض تروى من الزيادة المعتادة التي لا تنقطع إلا نادراً فالعقد صحيح كما صرحوا به أيضاً.
وعن القفال: ما يقتضي المنع في هذه الحالة أيضاً، فإنه صار إلى أن الأرض التي يكفيها المطر المعتاد والنداوة التي تصيبها من الثلج المعتاد في الجبل لا يجوز إجارتها للزراعة قبل حدوث ذلك متمسكاً بظاهر قول الشافعي في المختصر: وإن تكار الأرض التي لا ماء لها وإنما تسقى بنطف من السماء أو بسيل إن [جاء- فلا] يصحز
ووجهه بأن السقي معجوز عنه في الحال والماء المتوقع لا يعرف حصوله، وبتقدير حصوله لا يعرف أنه هل يحصل في الوقت الذي يمكن الزراعة فيه أم لا؟ وهذا غرر ومقتضى هذا التعليل: أن يقول بطرد مذهبه في مسألتنا.
[وقد] وافقه الماوردي فيما صار إليه فإنه شرط أن يكون الماء موجوداً حالة الاستئجار إلا في مد البصرة، والجمهور على الأول، وبه قال القاضي الحسين موجهاً ذلك: بأن توهم الانقطاع عند الحاجة لو منع صحة العقد لامتنع