كدماء الجبرانات؛ وعليه ينطبق قول أبي الطيب: إن النحر قربة، وهو في الحرم في غير أيام النحر بمنزلة النحر في أيام النحر في غيره من البلاد.
قال: وتفرقة اللحم على أهل الحرم- أي: من المساكين- كما قاله البندنيجي وغيره؛ لأن كل منحور في الحرم وقع نحره واجباً بالشرع، يجب تفرقته على من ذكرنا؛ فحمل مطلق كلام الناذر عليه؛ وهذا ما ادعى البندنيجي، وكذا ابن الصباغ: أنه المذهب.
وحكى وجهاً آخر: أنه يلزمه النحر بها، وتفرقة اللحم حيث شاء؛ لأن النحر بها قربة، فإذا نذر لزم، ولم يلزم به ما لم يسمه في نذره؛ وهذا الخلاف لم يورد الأكثرون في المسألة غيره؛ كما أنهم لم يوردوا غيره فيما إذا قال: "لله علي أن أضحي بمكة".
وبعضهم اقتصر في مسألة الكتاب على إيراد ما ذكره الشيخ، ومنهم القاضي أبو الطيب في التعليق، لكنه صور المسألة بما إذا نذر ذبح هدي في الحرم، والجمهور صوروها كما ذكر الشيخ، وعليها ينطبق لفظ المزني في "المختصر".
وحكى الإمام فيها: أن بعض أصحابنا قال: لا يلزمه بهذا اللفظ شيء؛ فإنه لم يذكر الملتزم بعبارة معتبرة بالقربة، وإنما تثبت القربة بما هو عبارة عنها؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين بدلاً عن الوجه قبلة.
ووجهه: بأن النحر مقصود، وتفرقة اللحم مقصودة، فإذا نذر أحدهما، لم يلزمه الآخر؛ وهذا ضعيف؛ لأن الذبح في الحرم إنما كان قربة حتى يكون اللحم مصروفاً إلى أهله، وإلا فلا إرب في اتخاذ الحرم مجازر ومذابح وهذا الوجه لا يجري فيما إذا قال: "لله علي أن أضحي بمكة"؛ لأن لفظ التضحية مصرح بالقربة؛ وكذا فيما إذا أتى بلفظ يدل على القربة؛ كما اقتضاه كلام الإمام.
ولا خلاف في أنه إذا نذر النحر بمكة، وتفرقة اللحم على أهلها: أنه يلزمه النحر وتفرقة اللحم على أهل الحرم، فلو دفع إليهم ما نذر ذبحه حياً، لم يجزه.
ولو نحر في غير الحرم، وفرق في الحرم، أو نحر في الحرم، وفرق على غير أهل الحرم- لم يجزه أيضاً، وكان مضموناً عليه.
قال الماوردي: ولو طبخ اللحم، لم يجز، فإذا دفعه إليهم مطبوخاً، ضمن ما بين