أما المسجد الأقصى، فقد كان في صدر الإسلام قبلة يصلى إليها، وأما مسجد المدينة فقد كان مقصوداً بوجوب الهجرة إليه؛ ففارقا ما عداهما من سائر مساجد الأمصار في حكم الشرع؛ ففارقاهما- أيضاً- في حكم النذر، وعلى هذا فرعان:

أحدهما: هل يكره شد الرحال لغير المساجد الثلاثة؟ قال الإمام: كان شيخي يفتي بالمنع من شدها إليه، وربما كان يقول: يكره، وربما كان يقول: يحرم بعدما تظاهر النهي.

وقال الشيخ أبو علي: لا يحرم، ولا يكره، والمقصود من الحديث بيان أن القربة المقصودة في قصد المساجد الثلاثة، وما عداها ليس في قصد أعيانها قربة؛ وهذا حسن لا يصح عندي غيره.

الثاني: إذا نذر الصلاة في مسجد غير الثلاثة، انعقد نذره بالصلاة، ولم يتعين عليه الصلاة في المسجد الذي عينه في نذره، بل له أن يفعلها في بيته، وكذا في سوقه.

قال ابن الصباغ: بخلاف ما لو نذر صوم يوم، فإنه يتعين صوم ذلك اليوم؛ لأن النذر مردود إلى أصل الشرع، وقد وجب الصوم في زمان بعينه، لا يجوز له في غيره؛ فكذلك إذا نذره، وليس كذلك الصلاة؛ فإنها لم تختص بمكان بعينه فيما وجب ابتداءً؛ كذلك النذر.

فإن قلت: هذا الفرق يبطل بالاعتكاف؛ فإنه لو نذر الاعتكاف في مسجد، تعين؛ كما قاله القاضي الحسين جزماً، والفوراني وغيره وجهاً.

قلت: المنقول في "الشامل" وغيره عدم تعين الاعتكاف- أيضاً- كما نقله في كتاب الاعتكاف، وهو قضية ما في "الحاوي"؛ حيث قال: "إذا نذر الاعتكاف في أحد المسجدين، وقلنا: لا يلزمه المضي إليه كغيره من المساجد، كان له أن يعتكف في أي مسجد شاء، وقد قال ذلك ابن الصباغ أيضاً، لكن الرافعي ادعى أن الصحيح في هذه الصورة اللزوم، وإن كان الصحيح عدم لزوم المضي إليهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015