ولأن ليلة النحر لا يتعقبها شيء من أشهر الحج, بخلاف سائر ليالي الحج.
ولأن الليالي تستتبع الأيام, وليلة النحر لا تستتبع يومها؛ فلذلك أفردت بالذكر؛ لما امتازت على غيرها, وهذا أحد الجوابين اللذين أجاب بهما الأصحاب ابن داود حين قال: الشافعي إن كان أراد بقوله: "وتسع من ذي الحجة" الأيام, فقد خالف اللغة؛ لأنه لا يقال: "تسع أيام", وإن كان أراد: الليالي, فقد خالف الشريعة؛ لأن الليالي من ذي الحجة عشرة.
والجواب الثاني: أن الشافعي أراد الأيام, وليس في ذلك مخالفة للغة؛ لأن من شأن العرب إذا جمعت الأيام والليالي تجعل الحكم لليالي؛ قال الله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] والعشر تكون ليالي وأيامًا؛ فغلب حكم التأنيث لما اجتمعا, وقال –عليه السلام-: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا".
وقال لحبان بن منقذ: "إذا اشتريت فقل: لا خلابة, واشترط الخيار ثلاثًا" وأراد: ثلاثة أيام.
قال: فإن أحرم بالحج في غير أشهره, انعقد إحرامه بالعمرة؛ لأنه –عليه السلام- سئل عمن يحرم بالحج قبل أشهره, فقال: "يهل بالعمرة", وروي أنه قال: "مهل بالحج قبل أشهر الحج مهل بالعمرة".
ولأن الإحرام شديد التشبت واللزوم؛ ولهذا ينعقد مع السبب المفسد؛ بأن يحرم مجامعًا, فإذا لم يقبل الوقت ما احرم به, انصرف إلى ما يقبله.
وأيضًا: فإنه [إذا] بطل قصد الحج, بقي مطلق الإحرام, [والعمرة تنعقد بمجرد الإحرام] فانصرف إليها, وهذا ما نص عليه في "المختصر", ولم يورد العراقيون سواه, وقالوا: لو كان عليه عمرة الإسلام, أجزأته, وهو مراد الشيخ بقوله: "بالعمرة"؛