أما إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر: فإن قدر على المشي, سقط في حقه اعتبار وجود الراحلة خاصة؛ لإمكان السير منه من غير مشقة شديدة تلحقه غالبًا, وصار هذا كمن سمع نداء الجمعة, يلزمه المشي إليها, وعلى هذه الحالة حمل أصحابنا قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً} [الحج: 27] , وخصوا الحديث بمسافة القصر؛ لأنه السفر الذي اعتبر الشارع مشقته, وأناط به الترخص بقصر الصلاة وإباحة الفطر.
وإن كان لا يقدر على المشي؛ لضعفه أو يناله منه ضرر ظاهر -فيعتبر في الوجوب في حقه الراحلة كما ذكرنا مع البعد.
قال الرافعي: وقد رأيت لبعض المتأخرين من أئمة طبرستان تخريج وجه في أن القريب كالبعيد مطلقًا.
ولا يؤمر بالزحف والحبو بحال, وإن أمكن؛ لأن المشقة فيهما في المسافة القريبة أعظم من المشقة بالمشي في المسافة البعيدة.
وفي "الروضة": أن الداركي حكى وجهًا [ضعيفًا] عن حكاية ابن القطان: أنه يلزمه الحبو.
قال: وإن يكون ذلك -أي: ثمن الزاد والماء والراحلة, بالصفة التي ذكرناها أو أجرتها- فاضلًا عما يحتاج إليه من مسكن, أي: في الحال وعند عوده, وخادم إن احتاج إليه, أي: لزمانة أو لمنصبه؛ لتنزل ذلك منزلة ثياب بدنه, ولأنهما يبقيان له في الكفارة؛ فكذلك هاهنا [أولى].
ولا فرق في ذلك بين أن يكون في ملكه أو لا ومعه ما يصرفه فيه.
وقيل: يباع المسكن والخادم في كلف الحج والعمرة, كما يباعان في الدين, ومن طريق الأولى عدم شرائهما.
قال الشيخ أبو حامد: ولأنه لو اعتبر ذلك في حاجته لاعتبرنا كفايته على الدوام؛ وهذا ما صححه في "التتمة", وبه أجاب أبو القاسم الكرضي, وحكاه عن نصه في "الأم", وادعى القاضي الحسين وكذا الشيخ أبو حامد -كما قال في "البحر"- أنه