وكل هذا يؤذن بأنه لا يراعي في ذلك شرائط الشهادة، وكذلك حكى بعض المتأخرين أنه لا يعتبر في البينة في هذه الصورة سماع القاضي وتقدم الدعوة والإنكار والاستشهاد، بل المراد إخبار عدلين على صفة الشهود.

قال: فإن صدقه غريمه، فعلى الوجهين، أي: في المكاتب، وقد سبق تعليلهما، وهذا ما ذكره العراقيون وصاحب "التقريب" والشيخ أبو علي، واختار النواوي وغيره منهما جواز الدفع كما في المكاتب، وقال الإمام: إن التصادق بين العبد والمكاتب في الكتابة أقوى عندنا وأولى بأن يرجع إليه؛ فإن إقرار كل منهما يصير ثابتاً لازماً في حقه، قال: ومن عول على الإقرار في الدين تردد جوابه فيه إذا أقر بالدين لغائب ولم يوجد منه قبول الإقرار. نعمن إذا قبلنا: القول في ذلك من غير بينة ففي تحليفه ما سبق فيمن ادعى الفقر.

قال: وإن غرم في معصية وتاب دفع إليه، أي: مع الحاجة؛ لأن المعصية زالت [فدفع إليه]؛ كمن أنفق ماله في المعاصي حتى صار فقيراً، ومن هرب من بلد ظلماً ثم أراد الرجوع؛ فإن الأول يعطي من سهم الفقراء، والثاني من سهم أبناء السبيل وإن كان السبب معصيته؛ فكذا هنا، وهذا قول أبي إسحاق وهو الصحيح في تعليق القاضي أبي الطيب، وعند البغوي والروياني وأبي خلف السلمي، وهو الجواب في "الإفصاح".

قال الرافعي: ولم يتعرضوا هاهنا للاستبراء ومضي مدة يظهر فيها صلاح الحال، إلا أن الروياني لما ذكر أن هذا أصح الوجهين قال: هذا إذا غلب على الظن صدقه في توبته.

وقيل: لايدفع؛ خشية أن يستكثر من المعاصي، ولأن توبته لا يطلع على حقيقتها، ولا يمتنع فرض إظهارها مع إضمار نقيضها حتى يسلم إليه من سهم الغارمين، وهذا قول ابن أبي هريرة، والأصح عند ابن الصباغ والبغوي وبه جزم في "المحرر".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015