وإن كان بعد الوجوب الذي منع المالك من التصرف في المال كالتعجيل قبله. وعلى هذا يجري إطلاق القول بأنه لا يجوز إخراج زكاة المعشرات قبل وجوب إخراجها، سواء في ذلك الثمار والحبوب.
والصحيح في "النهاية" وهو الذي أورده الجمهور: جوازه بعد الإدراك كما قاله أبو حامد وغيره؛ لأنه إذا جاز قبل الوجوب فيما يجب بالحول والنصاب فبعد الوجوب أولى.
وذهب في "الوسيط" إلى أن الصحيح في الثمار عدم الإجزاء قبل الجفاف؛ لأن الواجب هوا لزبيب والتمر، والرطب لا يصلح للإخراج، وقال: إن الصحيح في الزروع الجواز بعد الإدراك وقبل الدياس والتصفية؛ لأن الذي وجب موجود.
وقد وجه مقابله بأن النصاب لا يمكن الاطلاع عليه ما لم تحصل التصفية، بخلاف سائر الأموال؛ فإنه يمكن إدراكه، وقال الإمام: إنه ضعيف جداً، فإن لم يكن بد من هذا الوجه فالعلة فيه إذا كنا لا نقطع بأس في السنبل نصاباً من الحب، فأما إذا تحقق فلا وجه لمنع التعجيل.
وقد قيل: إنه يجوز الإخراج بعد بروز الطلع وإن لم يتشقق، ونبات الزرع وإن لم ينعقد، وهو ما ينسب إلى ابن أبي هريرة، ونسبه الحناطي إلى ابن سريج، قوال ابن كج: إن أبا إسحاق أجاب به في دفعة أخرى، وهو الذي صدر به الفوراني كلامه. ثم حكى ما نقلناه عنه عن الشيخ أبي حامد واقتصر عليهما، وقال ابن الصباغ: إنه الأصح؛ لأن تعلق الوجوب بالإدراك لا يمنع تقدم الزكاة عليه؛ ألا ترى أن زكاة الفطر يجوز تقديمها على هلال شوال، وإن كان وجوبها يتعلق به؟! لأن من ويلد قبل ذلك بلحظة تجب عليه، كما أن من ملك الزرع قبل إدراكه وجب عليه العشر.
وقال الرافعي في دفع العلة الأولى من علتي عدم الإجزاء إن الكلام فيما إذا عرف حصول قدر النصاب، وإن لم تعرف جملة الحاصل بعد ذلك إن خرج [زائداً على ما ظنه فيزكي الزيادة، وإن خرج] ناقصاً عن بعض المخرج فهو تطوع فلم يمنع الإجزاء. وفي دفع العلة الثانية: إنا لا نسلم أن لهذه الزكاة سبباً واحداً، بل لها سببان أيضاً: ظهور الثمرة، وإدراكها؛ فالإدراك بمثابة حولان الحول. وهذا فيه نظر ظاهر.