غير محسوبين؛ لأن في احتسابهما تكليف ما لا يطاق؛ فإن أكثر الناس لا يعرفون الساعات، ولا يقدرون على تلفيقها، فلو كلفوا بذلك لخرجت الرخصة عن وضعها؛ فحسبت الأيام الكوامل، وهذا كما جوزنا في رمضان النية قبل الفجر؛ [لأن في تكليف الناس أن ينووا مع طلوع الفجر] أعظم المشقة، ولأن العادة أن المسافر لا يدوم على السير في جميع نهاره؛ فلذلك لم يعد يوم دخوله يوم إقامة، وعد يوم خروجه يوم سفر.

قالوا: ولأنا أجمعنا على أن المدة القليلة لا تقطع حكم السفر، والمدة الكثيرة تقطعه، فبنا حاجة إلى فاصل بين المدة القليلة والمدة الكثيرة، وليس ذلك إلا الثلاثة الأيام؛ لأنها آخر حد القلة، وأول حد الكثرة، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَاخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ* فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 64، 65] ولأن من أقام أربعة أيام لا يجوز له الجمع بين الصلاتين بوفاق الخصم- وهو أبو حنيفة- فنقول: من لا يجوز له الجمع، لا يجوز له القصر؛ كما لو نوى إقامة عشرين يوماً.

فإن قيل: قد روي عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، فقلنا: هل أقمتم بها شيئاً؟ قال: [أقمنا] عشراً" أخرجه البخاري ومسلم. وهذا يدل على أنه بنية إقامة أربعة أيام لا يصير مقيماً.

قلنا: لاشك في أن هذه القصة كانت في حجة الوداع، وهي محمولة على أنه أقام العشرة متفرقة: في مكة ثلاثة، ومنى يوماً وليلة، وبعرفة يوماً، وبمزدلفة يوماً، وبمنى باقيها، وقد ادعى الإمام أن جابراً ذكر ذلك، ويؤيده "أنه- عليه السلام- دخل مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة- كما تقدم- وبات في المحصب ليلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015