هذا: لو استخلف المقيمون مقيماً، والمسافرون مسافراً نوى القصر- جاز للمسافرين القصر، وكذلك لو افترقوا ثلاث فرق [أو أكثر]، وقدمت كل فرقة منهم إماماً جاز وإن كان إمامهم قبل الحدث واحداً، نص عليه.

قال: وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج- أتم، أي: من حين نيته. هذا الفصل مسوق لبيان أمرين:

أحدهما: دل عليه منطوقه، وهو لزوم الإتمام عند نية المقام أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج.

والثاني: دل عليه المفهوم، وهو جواز القصر عند نية المقام أقل من ذلك.

والدليل على الأمرين قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً} [النساء: 101]، فأباح القصر بشرط الضرب في الأرض، فالعازم على المقام مدة، غير ضارب في الأرض؛ فاقتضى مفهوم الشرط أنه لا يستبيح القصر.

أو نقول: الأصل قبل ورود هذه الآية لزوم الإتمام، والآية جوزت القصر عند الضرب في الأرض، وناوي الإقامة غير ضارب في الأرض؛ فلا يجوز له القصر عملاً بالأصل، لكن السنة بينت أن إقامة ما دون الأربع غير يوم الدخول ويوم الخروج لا تمنع القصر، فاستثنيت مما ذكرناه، وبقي فيما عدا ذلك على ما اقتضاه الدليل، وإنما قلنا: إن السنة بينت أن نية مقام ما دون الأربع غير يوم الدخول ويوم الخروج لا تؤثر في منع القصر؛ لما روى جابر بن عبد الله قال: "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً حتى أتى مكة صبيحة رابعة مضت من ذي الحجة، فأقام اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع يقصر الصلاة، فلما كان اليوم الثامن صلى بالأبطح صلاة الصبح، ثم رفع إلى منى"، وهذا عين ما ذكرناه، ومنه يظهر لك أن دخوله- عليه السلام- كان يوم الأحد، وخروجه إلى منى كان يوم الخميس؛ لأن ذلك كان في حجة الوداع، وكانت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015