وإذا تحرر تصوير المسألة، قلنا: إنما لزمه الإتمام؛ لأنها عبادة يختلف حكمها بالسفر والحضر، وقد اجتمعا فيها؛ فوجب أن يقدم حكم الحضر.
أصله: إذا أنشأ صوم رمضان في الحضر، ثم سافر بعد الفجر.
ولأنه إذا اجتمع في الصلاة الواحدة ما يوجب الأخذ بالأكثر، وما يوجب الأخذ بالأهل وجب الأخذ بالأقل؛ كما لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً.
واعلم: أنه يمكن أن يؤخذ من قول الشيخ: وإن أحرم في البلد، ثم سافر - لزوم الإتمام فيما إذا أحرم بالصلاة بنية الإتمام ثم فسدت صلاته، فأتى بها في السفر، وبه صرح الأصحاب لالتزامه السابق.
والمسألة الثانية: إذا أحرم في السفر، ثم أقام.
وهى مصورة بما إذا أحرم بها في سفينة، ثم وصلت إلى وطنه الذي عزم على الإقامة فيه وهو فيها، أو نوى الإقامة وقد وصلت السفينة إلى موضع يصلح للإقامة، وهو بعد في الصلاة.
ووجه لزوم الإتمام فيها: القياس على ما إذا قدم وهو صائم، لا يسوغ له الفطر.
فإن قيل: ألا قلتم: إن وجود الإقامة في أثناء الصلاة لا يوجب إتمامها؛ حيث صح القول فيها مقصورة؛ كما قلتم في المتيمم إذا رأى الماء في أثنائها؟
قال ابن الصباغ: قلنا: الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن المتيمم وجب عليه الدخول في الصلاة عند عدم الماء، والقصر رخصة لم تجب؛ فإذا زال سببها انقطعت.
والثاني: أن المتيمم لو وجب عليه استعمال الماء في أثنائها لبطل ما فعله في الماضي، وهاهنا يبني، وهذا ما ذكره الماوردي.
وقد ألحق الأصحاب بهذه المسألة ما إذا أحرم بالصلاة بنية القصر بعد مفارقة البلد؛ ثم رعف؛ فرجع إلى البنيان لغسل الدم فغسله، ثم مضى فيها، تفريعا على قولنا: إن سبق الحدث لا يبطل الصلاة، وعلى ذلك حملوا ما أطلقه الشافعي