القصر في هذه الحالة؟
قلت: لا؛ لأن صاحب "العدة" قال: إن المسافر إذا جهل القصر، وقصر - لم تصح صلاته؛ لأنه متلاعب بالصلاة؛ فلم تصح، وهذا في الحاضر بطريق الأولى.
والرافعي حكى أن المقيم إذا نوى القصر لا تنعقد صلاته، وهذا قبل مجاوزة البلد مقيم عندنا، نعم: للإمام فيه احتمال؛ فإنه قال: إذا نوي، وهو عالم بأن السفينة في حد الإقامة فهو كمقيم ينوي القصر، ولو نوى -وهو مقيم- القصر احتمل أن يقال: يبطل أصل قصد الترخص، ويثبت أصل الإتمام؛ لما قررناه أن نية القصر تقتضي من طريق التضمن الإتمام. واحتمل أن يقال: نية القصر من المقيم تبطل صلاته؛ فإنه غير معذور في نيته بوجه، والذي جاء به نية فاسدة، وفساد النية بتضمن فساد الصلاة.
وهذه المسألة شييهة عندي بما لو نوى المتوضئ يوصوئه استباحة صلاة الظهر دون غيرها؛ ففي فساد نيته خلاف، ووجه الشبه: أن رفع الحدث إذا وقع التعرض له، فإنه لا يتبعض، فإذا قصد تبعيضه، فمن أئمتنا من أفسد النية، وقال: كأنه لم ينو أصلاً، ومنهم من حذف التخصيص من النية، والذي يجمع بين المسألتين: أنه لو نوى صلاة الظهر لم يحتج إلى ربط القصد بأربع ركعات، بل هي مرتبطة بها شرعاً؛ وكذلك من نوى الاستباحة بوضوئه، لو لم يعلق قصده بتعميم الإباحة صح وضوءه وجهاً واحداً، ولو نوى استباحة الظهر، ولم ينو غيره - صح وضوءه وعم بلا خلاف.
وما ذكره الإمام حسن، ولم يذكره الرافعي، بل اقتصر على حكاية الإبطال، وفرق بينه وبين إذا اقتدى المسافر بمن علمه مقيماً، أو ظنه، حيث قالوا: لا تبطل، وتلغى نية القصر-: بأن المقيم ليس من أهل القصر، والمسافر من أهله؛ فلا يضر فيه القصر؛ كما لو شرع في الصلاة بنية القصر، ثم نوى الإتمام، أو صار مقيماً.