وفي قول الشيخ: "يعيد فيه القنوت"] إشارة إلى أنه يستحب له أن يقنت معه، وهو ما ذكر الماوردي في أثناء كلامه أنه وفاق منا، ومن الخصم، وكذا التشهد. نعم حكى ابن الصباغ وغيره فيما إذا أدرك الإمام في التشهد الآخر أنه يجب عليه أن يجلس معه، وهل يتشهد معه، أو لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه ليس موضع تشهده.
والثاني: نعم؛ لأنه إذا جاز أن يقعد في غير موضع قعوده؛ لمتابعة الإمام- جاز أن يتابعه في التشهد، إلا أن هذا التشهد لا يكون واجباً عليه؛ لأنه إنما يلزم المأموم متابعة الإمام في الأفعال الظاهرة دون الأذكار.
وجزم الماوردي بأنه يأتي به واجباً، قال: لأنه بالدخول في صلاة الإمام لزمه إتباعه، والتشهد مما يلزم إتباع الإمام فيه؛ كما يلزمه في الأفعال.
وبذلك يحصل في المسألة ثلاثة أوجه، ويظهر أن يقال: إن الوجهين الأولين يأتيان في القنوت في مسألتنا، وظني أني رأيت ذلك في "تعليق" القاضي الحسين، ويظهر أن يقال: لا، بل يأتي به ندباً وجهاً واحداً- كما أفهمه كلام الشيخ- والفرق: أن التشهد ركن في الصلاة، وفي الإتيان به تكرير ركن من غير ضرورة، ولا كذلك القنوت.
فإن قلت: [أنتم تغتفرون] الأركان الفعلية؛ لأجل متابعة الإمام، فالقولية أولى.
قلت: الضرورة ألجأت إلى المتابعة في الفعلية؛ لأجل نظم الصلاة، ولا ضرورة في القولية، [وبالجملة: فلا يبعد أن يكون في القنوت طريقان:
إحداهما: إجراء الوجهين في التشهد فيه، ومأخذهما ما سلف من أنه إذا قنت في الركعة الأولى، وهو منفرد، عامداً أو ساهياً؛ فهل تبطل صلاته عند العمد، ويسجد عند السهو؛ لأنه طول ركناً قصيراً؛ ولأنه نقل ذكراً مقصوداً من محله إلى غير محله؟
فإن قلنا بالأول؛ فها هنا لم يكن الرفع من الركوع في حق المأموم قصيراً لأجل وجوب المتابعة، ولو كان منفرداً لكان قصيراً في حقه؛ فيأتي بالقنوت، ولا يضره.
وإن قلنا بالثاني، فمحل قنوت المأموم ركعته الثانية، وفي قنوته مع الإمام نقل ركن مقصود في محله إلى غير محله، ولا ينبغي أن يأتي به مع استغنائه عنه،