ثانيها: أنَّه مكروهٌ: وهو الأظهَرُ عند الشَّافِعِي وأحمد وأكثر أصحابهما، وقول أهل البصرة، وقال غير واحدٍ من العلماء: لا يُعرَف عن أهل البصرة خلاف فِي كراهته، وقال الماوردي: حرَّم الغناء قومٌ وأباحَه آخَرون، وكرهه مالك والشافعي وأبو حنيفة فِي أصحِّ ما قِيل عنهم، ومرَّ أنَّ سماعه من أجنبيَّةٍ مع أمن الفتنة مكروهٌ، لكنَّه شديد الكراهة، ومع خوفها حرامٌ بلا خلاف، وكذا من الأمرد الحسن.
ثالثها: الإباحة: وهو المروي عن إبراهيم بن سعد والعنبري، وهما شاذَّان، على أنَّ العنبري مُبَدَّع فِي اعتقاده، غير مَرضِيٍّ عمله، وإبراهيم بن سعد ليس من أهل الاجتهاد.
قال القرطبي: وحكاية أبي طالب المكي لذلك عن جماعةٍ من الصحابة والتابعين، وأنَّ الحجازيين لم يَزالوا يسمعون السماع فِي أفضل أيَّام السَّنة الأيَّام المعدودات، إنْ صحَّت هذه الحكاية فهي من القسم الأول دون الثاني، قال: وقد حكَى جمعٌ من الشافعيَّة كالقشيري - رحمه الله تعالى - عن مالك - رضِي الله تعالى عنه - الإباحة، ولا يصحُّ عنه بوجهٍ ولا عن أحدٍ من أصحابه بوجهٍ.
رابعها: يحرم كثيره دون قليله، ذكَرَه بعضُ شرَّاح "المنهاج"، وقال ذكره الرَّافِعِيُّ - رحمه الله تعالى - من رواية السرخسي، واقتضى إيراد ابن أبي هريرة أنَّه المذهب، فإنَّه قال: قال الشَّافِعِيُّ لا نبيحه مطلقًا، ونقول: إنْ كان كثيرًا دخَل فِي باب السفه، ا. هـ، ونازَعَه الأذرعي فِي دلالة هذا على التحريم، وإنما يدلُّ على ترك المروءة، ا. هـ[ز1/ 8/ب].
والحق أنَّه ظاهرٌ فِي التحريم؛ إذ سلب الإباحة وعدُّه من السفه إنما يَلِيقان بالتحريم دُون خرم المروءة كما يُعرَف من كلامهم فيها.