وكالأشعار المزهِّدة فِي الدُّنْيَا المرغِّبة فِي الآخِرة، فهي من أنفع الوعظ، الحاصل عليها أعظم الأجر، ويُؤيِّد ما نقَلَه من نفى الخلاف فِي هذا القسم أنَّ ابن عبدالبر وغيره قالوا: لا خلافَ فِي إباحة الحُداء واستِماعه، [وهو نحو ما يُقال خلف الإبل] (?) من الشعر سوى الرجز وغيره؛ لينشطها على السير، ومَن أوهم كلامه نقل خلافٍ فيه فهو شاذ أو مُؤوَّل على حالةٍ يُخشَى منها شيءٌ غير لائق (?).
القسم الثاني: ما ينتحله المغنون العارفون بصنعة الغناء المختارون المدن من غزَل الشعر مع تلحينه بالتلحينات الأنيقة، وتقطيعه لها على النغمات الرقيقة التي تهيج النفوس وتطربها؛ كحُميَّا الكؤوس، فهذا هو الغناء المختلف فيه على أقوال العلماء:
أحدها: أنَّه حَرام: قال القرطبي وهو مذهب مالك، قال أبو إسحاق: سألت مالكًا عمَّا يُرخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفُسَّاق، فهو مذهبُ سائرِ أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحدَه فإنه لم يرَ به بأسًا،