وبهذا الحديث استدلَّ أصحابُنا على تحريم المَزَامِير، وعليه بنوا التحريم فِي الشَّبَّابَة التي هي من جملة المَزَامِير بل أشدها طربًا، وممَّا يدلُّ على حُرمتها الحديث السابق فِي المقدمة وهو: أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - نَهَى عن ضرْب الدفِّ ولعب الصنج وضربِ الزَّمَّارَةِ (?).

وأمَّا استِدلال مَن أباحها تمسُّكًا بأنَّه لم يَأمُرْ ابن عمر بسَدِّ أذنَيْه ولا نهى الراعي فدلَّ على أنَّه إنما فعَلَه تنزيهًا أو أنَّه كان فِي حالة ذكرٍ أو فكرٍ، وكان السَّماع يشغله، فسدَّ أذنَيْه لذلك، فقد ردَّه الأئمَّة بأمورٍ كثيرة.

منها: أنَّ تلك الزَّمَّارَة لم تكنْ ممَّا يتَّخذه أهلُ هذا الفن الذي هو [ز1/ 27/ب] محلُّ النِّزاع من الشَّبَّابات التي يتقنونها، وتحتها أنواعٌ كلها تطرب، ومعلومٌ أنَّ زمر الراعي في قصبةٍ ليس كزمر مَن جعله صنعته وتأنَّق فيه وفي طَرائِقه التي اخترَعُوا فيها نغماتٍ تُحرِّك إلى الشهوات.

ومنها: أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنما لم يأمرْ ابنَ عمر بسدِّ أذنيه لأنَّه تقرَّر عندهم أنَّ أفعاله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حجَّة [لأقواله] (?) فحين فعَل ذلك بادَر ابن عمر إلى التأسِّي به، وكيف يظنُّ به أنَّه ترك التأسِّي وهو من أشدِّ الصحابة تأسِّيًا؟ قال الدولقي: وهذا لا يخطر ببال محصل قد عرف قدْر الصحابة واطَّلع على سبيلهم، قال: وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عَبدَالله، هل تسمَعُ؟))؛ معناه: تسمع هل تسمع؟ وإنما أسقَطَ تسمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015