الشَّبَّابَة مع كونها لهوًا يصدُّ عن ذِكر الله وعَن الصلاة مع الميل إلى أوطار النُّفوس ولذَّاتها، فهي بالتحريم أحقُّ وأولى، وهو مُقتَضى كلام العراقيين؛ فإنهم قالوا: الأصوات المكتسبة بالآلات ثلاثةُ أضرب: ضَرْب محرَّم وهي التي تطرب من غير غِناء؛ كالعيدان والطنابير والمَزَامِير، انتهى.

(تَنْبِيه ثالث) اختلف الحفَّاظ فِي حديث نافع الذي هو أصْل الخلاف فِي الشَّبَّابَة وهو: "أنَّ ابنَ عمرَ سمع صوتَ زمَّارة راعٍ، فجعَل أصبعيه في أذنَيْه، وعدل عن الطريق، وجعل يقولُ: يا نافع، أتسمَعُ؟ فأقول: نعم، فلمَّا قلت: لا، رجَع إلى الطريق ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعَلُه".

وفي روايةٍ: "أنَّ ابن عمر سمع مِزمارًا فوضَع أصبعَيْه في أذنَيْه، ونأى عن الطريق وقال لي: يا نافعُ، هل تسمع شيئًا؟ قلت: لا، فرفَع أصبعَيْه عن أذنَيْه وقال: كنت مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فصنَع مثل هذا" (?)، فقال أبو داود: إنَّه حديث منكر، وخالَفَه ابن حبان فخرَّجَه فِي صحيحه، ووافَقَه الحافظ محمد بن نصر السلامي فإنَّه سُئِل عنه فقال: هو حديثٌ صحيح.

وكان ابن عمر بالغًا إذ ذاك عمره سبع عشرة سنة، وقال: هذا من الشارع - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليعرف أمَّته أنَّ استماع الزَّمَّارَة والشَّبَّابَة وما يقومُ مقامهما محرَّم عليهم استماعُه، ورخَّص في ذلك لابن عمر لأنَّه حالة ضرورة، ولا يمكن إلا ذاك، وقد تُباح المحظورات للضرورات، قال: ومَن رخَّص فِي ذلك - أي: فأباح الشَّبَّابَة - فهو مخالفٌ للسنَّة، انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015