فولوا مدبرين لكن الله أعز المسلمين فحبس عنهم تلك الدول والخيول حتى وقفوا على التلول فسلم أكثر المسلمين من شرهم واستشهد منهم القليل، ولا بد في القتال من أن ينال المسلم أو ينال منه، قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} الآيات، وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} الآيات، وقد قال هرقل لأبي سفيان: فما الحرب بينكم وبيه؛ قال سجال ينال منا وننال منه، فهذه سنة الله في العباد وزيادة للمؤمنين في الثواب، وتغليظ على الكافرين في العقاب، وأما عبد الله فرجع بمن معه لم يلق كيداً دون المدينة، فتفكر في حماية الله لهذه الطائفة مع كثيرة من عاداهم وناوأهم ومع كثرة من أعان عليهم ممن ارتاب في هذا الدين وكرهه وقبل الباطل وأحبه، فما أكثر هؤلاء! لكن الله قهرهم بالإسلام، ففي هذا المقام عبرة، وهو أن الله أعزهم وحفظهم من شر من عاداهم، فلله الحمد والمنة، وبعد ذلك رجع محمد علي إلى مصر، وبعث الشريف غالب إلى اسطنبول وأمر ابنه طوسون أن ينزل الحناكية دون المدينة، وأمر العطاس أن يسعى بالصلح بينهم وبين عبد الله بن سعود ويركب له من مكة وأراد الله أن أهل الرس يخافون لأنهم صاروا في طرف العسكر واستلحقوا لهم نفراً قليلاً من المغاربة، وطوسون على الحناكية، وصار في أولاد سعود نوع من العجلة في الأمور، فأمروا على الرعايا بالمسير إلى الرس فنزلوا الرويضة فتحصنوا بمن عندهم، فأوجبت تلك العجلة أن استفزعوا أهل الرس أهل الحناكية، فلما جاء الخبر بإقبالهم نصرة لأهل الرس ارتحل المسلمون يلتمسون من أعانهم من حرب ما بينهم وبين المدينة فصادفوا خزانة العسكر فقتلوهم وأخذوا ما معهم، فهذا مما يسره الله لهم من النصر من غير قصد ولا دراية، فرجع المسلمون إلى عنيزة والعسكر نزلا الشبيبة