الدين ابن القيم –رحمه الله- بعد أن ذكر من أحوال المحبين وأنه قد يغيب أحدهم بحبوبه عن نفسه أو يتمكن من جميع أجزائه قلبه قال في أثناء كلام له: ثم يلطف شأنها بغيرها ويقهر سلطانها حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه ولا يشعر بنفسه ومن ها هنا نشأت الشطحات الصوفية التي مصدرها عن قوة الوارد وضعف التمييز فحكم صاحبها فيها الحال وجعل الحكم له وعزل علمه عن التمييز وحكم المحققون فيها حاكم العلم على سلطان الحال وعلموا أن كل حال لا يكون العلم كما عليه فإنه لا ينبغي أن يعبر به ولا يسكن إليه كما لا يساكن المغلوب المقهور لما يرد عليه بما يعجز عن دفعه وهذه حال أكمل القوم الذين جمعوا بين نور العلم وأحوال المعاملة فلم تطفئ عواصف أحوالهم نور أعمالهم ولم يقصر به علمهم عن الترقي إلى ما وراءه من مقامات الإيمان والإحسان فهؤلاء حكام على الطائفتين ومن عذلهم فمحجوب بعلم لا نفوذ له فيه أو مغرور بحال لا علم له بصحيحه من فاسده، والله المسؤول من فضله إنه قريب مجيب، فالكامل من يحكم العلم على الحال فيتصرف في حاله بعلمه ويجعل العلم بمنزلة النور الذي يميز به الصحيح من الفاسد من لا من لا يقدح في العلم بالحال ويجعل الحال معياراً عليه وميزاناً فما وافق حاله من العلم قبله وما خالفه رده ونفاه فهذا أصل الضلال في هذا الباب بل الواجب تحكيم العلم والرجوع إلى حكمه وبهذا أوصى العارفون من شيوخ الطريق كلهم وحرضوا على العلم أعظم تحريض لعلمهم بما في الحال المجرد عنه من الغوائل والمهالك والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى. فتأمل ما ذكره ابن القيم –رحمه الله- وانظر إلى قوله: حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه فكيف من يغيب بالرقص والتمرغ في الرمل عن محبوبه وانظر إلى قوله: فحكم صاحبها فيها الحال على العلم وجعل الحكم له له وعزل علمه عن التمييز وهذا بخلاف المحققين الكمل الذين يحكمون العلم على الحال.