وإذا كان ذلك كذلك فنقول لفظ التوسل بالشخص والتوجه به والسؤال بما فيه إجمال واشتراك غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة يراد به التسبب به لكونه داعيا وشافعا مثلا أو لكون الداعي محبا له مطيعا لأمره مقتديا به فيكون بالتسبب إما بحجة السائل له وأتباعه له وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته ويراد به الأقسام به والتوسل بذاته فلا يكون التوسل لا بشيء عنه ولا بشيء من السائل بل بذاته أو بمجرد الأقسام به على الله، فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه وكذلك لفظ السؤال بالشيء قد يراد به المعنى الأول وهو التسبب به لكونه سببا في حصول المطلوب وقد يراد به الأقسام إذا تبين لك هذا فأعلم أن معنى التوسل في لغة الصحابة رضي الله عنهم وعرفهم أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه به في الحقيقة بدعائه وشفاعته وهذا لا محذور فيه بل هذا هو المشروع كما في حديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار وهو حديث مشهور في الصحيحين، فإنهم توسلوا إلى الله بصالح الأعمال لأن الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله تعالى ويتوجه به إليه ويسأله به لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، وقال ربكم أدعوني أستجب لكم، وهؤلاء دعوه بعبادته وفعل ما أمر به من العمل الصالح وسؤاله والتضرع إليه فمن جعل دعاء الأولياء والصالحين سببا لنيل المقصود كان يطلب من الولي والصالح في حال الحياة أن يدعو الله له لكونه مطيعا لله محبا له فيشفع له عند الله بدعاء الله له فهذا حق، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله سبحانه برسوله فيدعو لهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اللهم إنا كنا إذا اجد بنا نتوسل إليك بنبينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فاستسقوا به" كما كانوا يستسقون بالنبي صلى الله عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015