الخلق الذين لم يقبلوا هدى الله ولم يرفعوا به رأساً ولا حفظ ولا فهم ولا رواية ولا دراية ولا رعاية، فالطبقة الأولى أهل رواية ودراية، والطبقة الثانية أهل رواية وعاية ولهم نصب من الدراية بل حظهم من الرواية أوفر، والطبقة الثالثة الأشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وهم الذين يضيقون الديار ويغلون الأسعار إن همة أحدهم إلا بطنه وفرجه فإن ترقت همته فوق كان همه مع ذلك لباسه وزينته فإن ترقت همته فوق ذلك كان في داره وبستانه ومركوبه وإن ترقت همته لما فيه رياسة والانتصار للنفس الغضبية قد ارتفعت همته عن نصرة النفس الكلبية إلى نصرة النفس السبعية فلم يعطها أحد من هؤلاء فإن النفوس ثلاثة كلبية وسبعية وملكية فالكلبية تقنع بالعظم والكسرة والجيفة والعذرة، والسبعية لا تقنع بذلك، بل لقهر النفوس تريد الاستعلاء عليها بالحق والباطل، وأما الملكية فقد ارتفعت عن ذلك وشمرت إلى الرفيق الأعلى فهمتها العلم والإيمان ومحبة الله تعالى والإنابة إليه والطمأنينة به والسكون إليه وإيثار محبته ومرضاته وإنما تأخذ من الدنيا ما تأخذ لتستعين به على الوصول إلى فاطرها وربها ووليها لا لتنقطع به عنه. انتهى. فتأمل ما ذكره ابن القيم –رحمه الله تعالى- حيث جعل من القسم الذين اعتنوا بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه من أئمة الحديث كالأوزاعي وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم ممن لا يحصي عددهم إلا الله وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه "الانتصار لأهل الأثر" بعد أن ذكر كلاماً طويلاً قال: فنقول من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما ينتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقاً آخر