النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين على ما لم يطلع عليه غيره مع شهادة الشافعي وغيره له فإنه لم يكن في بغداد أفقه منه وإنه لم يكن في الدنيا مثل بغداد وهو شاب له بضع وثلاثون سنة فمن كان بهذه المثابة كان قد اجتمع عنده علوم الناس مع فقهه وتقواه فيكون اختياره أقرب من اختيار غيره فعلوم مالك والشافعي اجتمعت له إلى غير ذلك مما ذكره العلماء من فضائله ومزاياه التي امتاز بها على من سواه، ثم ذكر الملحد كلاماً لا لفائدة في الجواب عنه.
ثم قال المعترض: ولا خلاف بين المسلمين بأن اختلاف الأئمة في الفروع هو عين الرحمة من الله تعالى إلى آخر كلامه.
والجواب أن يقال: هذا الكلام لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه وعمومه بل يقتصر به في اختلاف التنوع مما قد شرع جميعه لكن المكروه المحرم المذموم من ذلك المعاداة فيه والموالاة فيه والتحاسد والتدابر والتقاطع والبغي والحسد وإرادة العلو في الأرض والاختلاف المذكور ربما قد يكون منه طريقتان مشروعتان ورجل أو قوم قد سلكوا هذا الطريق وآخرون سلكوا الأخرى وكلاهما حسن في الدين ثم الجهل والظلم يحمل على ذم أحدهما أو تفضيلهما بلا قصد صالح أو بلا علم أو بلا نية أو بلا علم وأما الاختلاف المذموم مطلقاً فهو اختلاف التضاد.
وهو القولان المتنافيان إما في الأصول وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون لمصيب واحد ولا فمن قال إن كل مجتهد مصيب فعده هو من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد لأن القولين يتنافيان لكن تجد كثير من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق أو معه دليل يقتضي.