فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً، فتحوا القلوب بعد لهم بالقرآن والإيمان والقرى بالجهاد بالسيف والسنان، وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصاً صافياً، وكان سندهم فيه عن نبيهم –صلى الله عليه وسلم- عن جبرائيل عن رب العالمين سنداً صحيحاً عالياً، وقالوا هذا نبينا وقد عهدنا إليكم وهذه وصية ربنا وفرضه علينا وهي وصيته وفرضه عليكم، فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم، ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك الرشيد، وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد، وكانوا بالنسبة إلى من قبلهم كما قال أصدق القائلين: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخَرِينَ} ثم جاء الأئمة من القرن الرابع المفضل في إحدى الروايتين كما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وعمران بن حصين فسلكوا على آثارهم اقتصاصاً واقتبسوا هذا الأمر عن مشكاتهم اقتباساً وكان دين الله سبحانه أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليه رأياً أو معقولاً أو تقليداً أو قياساً، فطار لهم الثناء الحسن في العالمين وجعل الله سبحانه لهم لسان صدق في الآخرين، ثم سار على آثارهم الرعيل الأول ودرج على منهاجهم الموفقون من أشياعهم زاهدين في التعصب للرجال واقفين مع الحجة والاستدلال يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه وينقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، إذا بدا لهم الدليل بأخذته طاروا إليه زرافات ووحداناً وإذا دعاهم الرسول إلى أمر انتدبوا إليه ولا يسألون على ما قال برهاناً ونصوصه أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليها قول أحد من الناس أو يعارضوها برأي أو قياس، ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً وكل