بهذا الاعتبار، فكيف يلزم ذلك في حق خالق المركب الذي يجمع المفرق ويفرق المجتمع ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاءون والعقل إنما دل على إثبات الله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة ولا وجه ولا يدين ولا هو فوق خلقه ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء، فدعوى ذلك على العقل كذب صريح عليه كما هي كذب صريح على الوحي، وكذلك تنزيهه عن الجهة إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف، فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى، ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعنى، وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه، فنفيكم لهذا المعنى باطل وتسميته جهة اصطلاح منكم توسلتم به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل والفطرة، فسميتم ما فوق العالم جهة، وقلتم منزه عن الجهات، وسميتم العرش حيزاً، وقليتم ليس بمتحيز، وسميتم الصفات أعراضاً، وقلتم الرب منزه عن قيام الأعراض به، وسميتم حكمه غرضاً، وقلتم الرب منزه عن الأغراض، وسميتم كلامه بمشيئته ونزله إلى سمائه الدنيا ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء وإرادته المقارنة لمرادها وإدراكه المقارن لوجود المدرك وغضبه إذا عصي ورضاه إذا أطيع وفرحه إذا تاب إليه العباد، ونداه موسى حين أتى الشجرة ونداه للأبوين حين أكلا من الشجرة ونداه لعباده يوم القيامة ومحبته لمن يبغضه حال كفره ثم صار بحبه بعد إيمانه وربوبيته التي شملت كل مخلوق وكل يوم هو في شأن حوادث، وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث وحقيقة هذا التنزيه أنه منزه عن الوجود وعن الماهية وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالاً لما يريد، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015