* إذا لم يكن المقصود هو سليمان - عليه السلام -، فإما من أن يكون جبريل - عليه السلام - أو يكون مَلَكاً آخر. وسواءً كان هو القول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يُريدُ أن يستدل به المستغيثون بغير الله.
فعل فرض أن قصة آصف صحيحة ـ وهي ليست كذلك ـ فإنها من أدلة التوحيد، حيث إن آصف توسل إلى الله بتوحيده وإلهيته، وكرر ذلك في دعائه، وقد قيل إنه يعرف الاسم الأعظم، فهو طالب من الله، راغب إليه سائل له، وسليمان - عليه السلام - آمِر ليس بسائل ولا طالب. وفرق بين الأمر والمسألة: فالأمر هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.
وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل. وأمر سليمان لآصف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته.
وهذا من جنس الأسباب العادية، فإن الرجل إذا كان معروفاً بالصلاح وإجابة الدعاء فطُلِب منه الدعاء، أو أمِر به فدعا الله واستجيب له، لا يكون هو الفاعل للاستجابة، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع، فالآية من أدلة التوحيد، وصرف الوجوه إلى الله، وإقبال القلوب عليه، فإن آصف توسلَ إلى الله بتوحيده وربوبيته، وقصَدَه وحده، ولم يقصد سليمان، ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.
وفي هذه القصة أن الأنبياء لا يُسألون ولا يُقصَدون، بل ربما صار حصول مقصودهم، ونيل مطلوبهم على يد من هو دونهم من المؤمنين، وإن أعظم الوسائل، وأشرف المقاصد هو: توحيد الله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف. وفيها براءة أولياء الله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة، فإنه توضأ وصلى ودعا.