مقتضِيًا وزوال المانع ـ سنة، كما أن فِعْلَه سنة. فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترْك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج، فلو أن رجلًا أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات وقال: هذا زيادة عمل صالح، لم يكن له ذلك. وليس له أن يقول: هذه بدعة حسنة، بل يقال له كل بدعة ضلالة.

ونحن نعلم أن هذه ضلالة قبل أن نعلم نهيًا خاصًا عنها، أو نعلم ما فيها من المفسدة. فهذا مثال لما حدث، مع قيام المقتضي له، وزوال المانع لو كان خيرًا. فإن كل ما يبديه المُحْدِث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة، قد كان ثابتًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومع هذا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهذا الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس.

مثال آخر: عن نافع أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر - رضي الله عنهما -، فقال: «الحمد لله، والسلام على رسوله»، قال ابن عمر: «وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، فقد أنكر ابن عمر - رضي الله عنهما - على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) تدخل فيه تلك الصلاة، ولكن ما هكذا فهمها الصحابة فمَن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح - رضي الله عنهم -، وفهمُهم أوْلى، ومرتبتهم أعلى.

مثال آخر: رأى سعيد بن المسيب - رحمه الله - رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟ قال: «لا ... ولكن يعذبك على خلاف السنة» (رواه عبد الرزاق وإسناده صحيح).

مثال آخر: قال رجل للإمام مالك بن أنس - رحمه الله -: «يا أبا عبد الله، من أين أُحْرِم؟» فقال الإمام مالك: «من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» فقال: «إني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015