قوله: فقال سعد إلى آخره، معناه: أن سعدًا ظن أن جميع أنواع البكاء حرام، وأنه - صلى الله عليه وسلم - نسي، فأعلمه - صلى الله عليه وسلم - أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه، بل هو رحمة وفضيلة، وإنما المحرم: النوح والندب، للأحاديث الدالة على ذلك.

والرحماء: روي بالنصب والرفع، فالنصب: على أنه مفعول يرحم والرفع: على أنه خبر إنّ، ويكون ما بمعنى الذي.

1235 - اشتكى سعد بن عبادة شكوى، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودُه مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل وجده في غاشية، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القومُ بكاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بكَوا، فقال: "ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه".

قلت: رواه الشيخان (?) هنا من حديث عبد الله بن عمر إلا أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" في هذا الحديث من زيادات البخاري، وهذه الزيادة ذكرها مسلم منفصلة، وفي مسلم: "فوجده في غَشِية": بفتح الغين وكسر الشين وتشديد الياء، قال القاضي عياض (?): هكذا رواية الأكثرين، قال: وضبطه بعضهم بإسكان الشين وتخفيف الياء، وفي رواية البخاري: "في غاشية" وهي رواية المصابيح، وكله صحيح، وفيه قولان: أحدهما: مَنْ يغشاه من أهله، والثاني: ما يغشاه من كرب الموت، وأما تعذيب الميت ببكاء أهله عليه: فحمله الجمهور على من وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وأما من ناح أهله من غير وصية منه فلا يعذب.

1236 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015