«ما مست النار» أي: أصابت، وهو كناية عن الطعام المطبوخ بالنار، وإنما يطبخ بالنار عندهم غالبًا اللحم وما فيه الودك. وإنما ترجم مالك رحمه الله هذه الترجمة لإبطال ما كان يروى عن بعض الصحابة أن على من أكل لحمًا مطبوخًا أن يتوضأ، ولم ينقل إلينا عنهم أكانوا يرون الوضوء بعد ذلك واجبًا أم فضيلة، وأكانوا يرون أكل ما مست النار ناقضًا لوضوء الآكل أم واجبًا غير ناقض. وأحسب أن هذا كان مذهبًا لبعض السلف الذين كانوا بالعراق، كما يدل عليه خبر أنس مع أبي طلحة وأبي آخر الباب «وقولهما له: هذا يا أنس، أعراقية»؟ وكان الصحابة يتحرزون مما أدخله المسلون بالعراق من عوائدهم في أمور العبادة حتى يخال الجاهل أن تلك العوائد من السنة. وقد قيل: إن ذلك كان مأمورًا به في صدر الإسلام حرصًا على النظافة؛ لأن دسومة اللحم تُبقي في اليدين والفم روائح مكروهة. وقد كانوا في الجاهلية يكتفون بمسح الأيدي بالمناديل، ويكتفي المسافرون والصائدون بمسح أيديهم بأعراف خيلهم. قال امرؤ القيس:
نمش بأعراف الجياد أكُفنا ... إذا نحن قُمنا عن شواءٍ مُهضب
المش: مسح اليد بشيءٍ لإذهاب الغمر.
والخبران الواردان عن زيد بن ثابت، وجابر بن سمرة بالوضوء مما مست النار ومن لحوم الإبل، وهما في «صحيح مسلم» ما أريد بالوضوء إلا المعنى اللغوي دون الشرعي، وهو غسل اليدين مثل ما في الحديث: «من بركة الطعام الوضوء قبله