ويتعهده بسد ما تثلم منه لجريان الماء. قال زهير:
ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
وربما جعلوا الحوض قرب البئر لينزل فيه ماؤها ويجمع لوقت ورود الماشية. وفي حديث نبع زمزم لأم إسماعيل «فجعلت تُحوضه». والأحواض من خصائص عرب البادية أهل الخيام، وهم يتنافسون في أراضي النزول بكثرة ما فيها من مرور المياه والأحواض؛ ولذلك يسمون أهل الحِلة أهل الماء. وتسمى منازل العشائر في بادية العرب المياه. ومنه قوله: حُكام المياه. وقد يكون الحوض عامًا لأهل الماءة كلهم، وقد يكون مما اختص به واحد منهم، وإنما يكون ذلك لكثرة أنعامه. والاختصاص بها يكون بما تملك به الأشياء في البوادي، وذلك بالسبق إلى سكنى المكان الذي به الحوض أو باحتقار الحوض، ثم إذا اختص به يدفع الناس عن الشرب منه إلا بإذنه، وكانوا يبيحون ذلك لعابر السبيل. فذلك معنى قول عمر وقول عمرو بن العاص «يا صاحب الحوض» يعني المختص به، وفيه قول زهير:
ومن لم يذُد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم
لأنهم كانوا إذا استضعفوا أحدًا غصبوا ماءه. قال صنان بن عباد اليشكري من شعراء الحماسة حين استضعفه بعض الناس بعد أخيه حمارٍ واسمه علقمة:
لو كان حوض حمار ما شربت به ... إلا بإذن حمارٍ آخر الأبد
وإذا كان مجتمع الماء دون الحوض سمي الشَرَبة (بفتح الشين وفتح الراء). وهي حويض يسع من الماء مقدار ما يسقي نخلة. وإنما سأل عمرو عن ورود السباع الحوض؛ لأن السباع تسكن الأغيال التي بحذاء المياه لتفترس الدواب حين ترد الماء.
والنهي في قول عمر: «لا تخبرنا» مستعمل للتخيير، أي: إن شئت لا تخبرنا؛ إذ لا فائدة فيه.
ووجه الجمع في كلام عمر بين قوله: «لا تخبرنا» وقوله: «فإنا نرد على السباع»