بذريعتين: إحداهما: النسيان عنها، والثانية: اختلاف النفوس في الشعور بحالة لزومها، وهاتان الذريعتان هما ذريعة التفريط في الفضائل كلها.
فأما النسيان: فتراخى المرء عن الأمر الحسن في وقته الحاصل فيه، فإذا تذكره بعد فوات وقته، يتثاقل عن تداركه فينقلب نسيانه إلى تهاون واستخفاف. وأما اختلاف الشعور بالحاجة إلى العمل النافع: فيُغر المرء بأنه في غنى عنه فيتركه في حال تلبسه بما يقتضي عمله، فيفوت الانتفاع بالمنافع كثيرًا من الناس في أوقات كثيرة.
وشأن الناس في أمر النظافة هكذا، فإنهم وإن كانوا لا يختلفون في حسن النظافة تجد كثيرًا غير متسمين بها إما لنسيان وتهاون، وإما لإخالتهم أنفسهم في نظافة، وهم في ضدها.
فلسد هاتين الذريعتين جعل الإسلام الطهارة واجبة؛ لأجل الصلاة التي هي عبادة تتكرر كل يوم فلم يبق للنسيان إلى نفوسهم تطرق، ولا للاغترار بالنظافة الكاذبة بأذهانهم تعلق.
وإن مظاهر الكمال الجثمانية من شأنها السريان إلى النفس فتقيد الروح نشاطًا وإشراقًا ينشئان عن شدة اتصال أحوال الروح بأحوال الجسد، ثم عن الشعور بالفضل والتحلي بالكمال، فكانت الطهارة الجثمانية تهيئة لإشراق الروح إشراقًا يُهيئ إلى التزكية والنزاهة كما يحس به المتطهر في حال تطهره ويحس بضده في حال انتقاض الطهارة. ويحصل تمام ذلك الإشراق عن الطهارة بسبب نية المتطهر القيام بواجب شرعي، واستشعاره أن تطهره تأهب للصلاة التي هي مناجاة الله تعالى. قال الشيخ أبو محمد في «الرسالة»: «ويُشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه، والوقوف بين يديه لأداء فرائضه». ولتحصيل الاجتياز إلى الروح من هذا البرزخ اشترط الإسلام في الطهارة أن يكون فعلها بنية التقرب إلى الله تعالى، فإنها من جملة أعمال الإسلام التي جاء فيها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات» فبتلك النية وذلك الإخلاص يكمل سريان الطهارة الجثمانية إلى الروح فتزكيها.
وجعلت الشريعة أسبابًا لتجديد الطهارة لا تخفى عن المتلبس بها فلا تقبل تشكيكًا