ومحل الاحتجاج منه قوله: «أن جبريل نزل فصلى»؛ لظهور أن المراد نزل عند الوقت، أي ابتدائه، وقوله: «فصلى رسول الله» أي حين صلى جبريل أو صلى مع جبريل إمامًا أو مأمومًا بجبريل، كل ذلك لا جدوى للبحث فيه في غرضنا الذي هو بيان أن النزول عقبته الصلاة بلا تريث، وأن نزول جبريل لتبيين الوقت لا لأنه مكلَّف بمثل صلاة البشر.
وظاهر أن النزول تكرر في الأوقات الخمسة، وظاهر أن قول جبريل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بهذا أمرت»، يقتضي أنه مأمور بجميع تلك الحالة المشار إليها، بقول جبريل: «بهذا». ومن جملتها ما دلت عليه الفاء في قوله: فصلى، أي جبريل. وقوله: فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرات الخمس فهو مأمور بالمبادرة بالصلاة في أول الوقت.
ثم يجيء على كون أوقات الصلوات ذات مبادي ونهايات أن معنى الأمر بأول الوقت أنه تأكيد أو أمر لغير ذي العذر، كما بينته الآثار المذكورة عقبه وغيرها، وتخريج الوجوه في تلك الاحتمالات غير عسير، والشريعة لا يفارقها التيسير.
وزعم بعض الناس أن حديث مالك هنا مختصر، وأن بسطه في كتابي الدارقطني والطبراني لا أعيره أذنًا.
واعلم أن صلاة جبريل قصد منها تبليغ صفة الصلاة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن التبليغ بالفعل أشد بيانًا واختصارًا؛ لأن من الأفعال ما لا تحيط به العبارة، وهذا أيضًا هو وجه إعادة جبريل الصلاة في الأوقات الخمسة، لاختلاف صفات الصلوات في عدد الركعات، وفي صفة القراءة، وفي مقدار ما يقرأ في كل ركعة، وفي موضع القراءة، وغير ذلك من الصفات.
واعلم أن الله أراد تشريف أوقات الصلاة، فلما كان فرضها في الإسراء بحضرة الملائكة، أرسل الله تعالى جبريل لبيان أوقاتها.
وها علم أن قول عروة: «كذلك كان بشير بن أبي مسعود يُحدث عن أبيه»، معناه