أفاد لام الاختصاص في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لي خمسة أسماء» أنَّ هذه الأسماء المباركة أعلام له لا يشاركه فيها غيره، وأفاد ذلك ظاهر تقديم المسند على المسند إليه في قوله: «لي خمسة أسماء» أنَّه لا يشاركه فيها غيره، وأفاد الاقتصار على هذه الخمسة في مقام البيان أنَّ ليس لرسول الله أسماء غيرها، فنشأ من هذين المفادين إشكالان:
أحدهما: أنَّ بعض هذه الأسماء قد يسمَّى به غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثانيهما: أنَّ لرسول الله أسماء غير هذه الخمسة، فقد ثبت في صحيح الآثار أسماء منها: نبي التوبة، ونبي الرحمة في حديث أبي موسى الأشعري في «صحيح مسلم». وقال يونس عن ابن شهاب في روايته لحديث جبير بن مطعم: «وقد سمَّاه الله رؤوفًا رحيمًا». وقد ذهب كثير من علمائنا في دفع هذين الإشكالين طرقًا غير مقنعة للناظر، ولا يطمئن لها الخاطر.
والذي هر لي في دفع هذين الإشكالين وبيان الحديث من أصله، أن نبيِّن تحقيق معنى الاسم والفرق بينه وبين الصفة، فإنِّي لم أر من عرَّج عليه في مثل هذا المقام، ثمَّ تكون تلك فاتحة استنارة المراد.
فالاسم لما كان مشتقًا من وسم على أظهر الوجوه كان المعنيُّ به العلامة التي تجعل لذاتٍ لتمييزها عن غيرها من الذوات، فهو في اللغة يرادف معنى العلم، ولذلك يقولون سمَّاه كذا، أي: جعله له علمًا، فكان حقُّ العلم والاسم أن لا يشارك المسمَّى به فيه غيره، وكان حقُّه أن لا يدلَّ على معنى وصفي؛ ولكنه قد يشعر بالوصف إشعارًا ما إذا كان واضع الاسم قد لاحظ عند التسمية بذلك اللفظ ملاحظة المناسبة أو للإشعار بوصفٍ في المسمَّى أو للتفاؤل؛ ولذلك يضمنون المعنى الوصفيَّ مع اختصار في اللفظ تقريبًا لمعنى العلمية، ولذلك كلِّه عرف النحويون العلم بأنَّه ما وضع لمعيَّن لا يتناول غيره، ولكن قد يرعض الاشتراك في الاسم العلم بين متعدِّد، إمَّا لتماثل مقاصد