الأوَّل: أنَّ أبا سعيد لم يسمع هذا اللفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولكنَّه سمع مرادفه، أو شهد من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستئذان أصحابه عليه ما حدَّث به عمر بن الخطاب، ولما سمع لفظ رسول الله عليه الصلاة والسلام من أبي موسى حدث به عنه.
الوجه الثاني: أن يكون أبو سعيد لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظ، ولا علم من فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ما يقتضيه، ولكنَّه سمعه من أبي موسى في مجلس من الأنصار ولما صدَّق أهل ذلك المجلس أبا موسى فيما أخبر به وأرسلوا أبا سعيد ليخبر عمر بصدق أبي موسى، تعيَّن على أبي سعيد إسناد لفظ الحديث عن أبي موسى؛ لأنَّه ما سمعه إلَّا منه وما سمع من أهل المجلس سوى تصديقه، فاللفظ المشهود بصدق نسبته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ما رواه أبو موسى، فلا مندوحة لأبي سعيد من أن يرويه إلَّا عن أبي موسى. وما وقع في رواية سفيان بن عيينة في «صحيح البخاري» عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «فقمت فأخبرت عمر أنَّ النبيَّ قال ذلك»، هو مقام شهادة لا مقام تحديث، فاستند إلى ما علمه من أهل المجلس من الأنصار، أو أراد: فأخبرته عمن أرسلوني غليه من الأنصار؛ فيكون من قبيل نقل الشهادة والله أعلم.
وقع فيه قوله: «فإذا ضبابٌ فيها بيضٌ» ضبط لفظ «بيض» في بعض النسخ بفتح الباء وعلى هذا جرى تفسير ابن العربي في «القبس»، ووقع في بعضها بكسر الباء، وعلى هذا جرى تفسير الباجي في «المنتقى». والرواية الأولى أصح نظرًا لقوله: «فيها»؛ لأنه لو كان بكسر الباء لكان «بيض» صفة لـ «ضباب»، فلم يكن موقع لقوله: «فيها»؛ إذ لا يصلح شيء من الكلام السابق لذلك. ومعنى «فيها بيض»: أن الضباب كانت محشوة ببيض دجاج مصلوق.
* * *