قال مالكٌ: الأمر المجتمع عليه عندنا أنَّه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل، ولا من أهل العمود الذَّهب ولا الورق، ولا من أهل الذَّهب الورق، ولا من أهل الورق الذَّهب.
لأن الدية توزع على العاقلة فوجبت على حسب ما هو رائج بينهم من المكاسب؛ لئلَّا يكلِّفوا طلبَ ما ليس عندهم فيُغلى عليهم عوضه فالمنظور إليه هم عاقلة القاتل؛ لأنَّهم الذين يؤدونها، فإذا شاءوا أن يؤدُّوا من غير ما هو غالب أموالهم انتقل حقُّ الرضا بذلك إلى أولياء القتيل؛ لأنَّهم أملك لاختيار ما هم فيه أرغب أن يكون عوضًا عن مصابهم بمولاهم، هذا وجه الفقه وهو وجيه، فمعنى قول مالك: «لا يقبل من أهل القرى» إلخ أنَّ للمدفوع إليه أن لا يقبل وليس يعني بذلك أنَّه حقٌّ لله تعالى؛ إذ لا يتعلَّق بذلك مقصد للشارع ولكنه حقُّ وليُّ الدم.
وقع فيه قوله: «فنري منها فمات» نزي بضم النون بصيغة المبني للمجهول ومرفوعة ضمير الرجل، يقال: نُزي فلان من جرحه، أي: نزف دمه، أي: سال فأفرط حتى كأنَّه منزوف، أي: مستفرغ، وفعل نزي من الأفعال الملازمة البناء للمجهول كغالب أفعال الأمراض مثل: حُم، وسُل. وظاهر كلام أهل اللغة أنَّه وصف المجروح، فلا يقال: نزِي الدم ولا نُزي الجرح ولكن نزِي فلان من جرحه كما استعمل هنا، وفي قوله في باب ما يجب في العهد: «فيُنزى في ضربه»، وأما نزف فإذا أسند إلى المجروح كان مبنيًّا للمجهول لا غير. يقال: نزف فلان دمه كما