مثل: الإرفاق، فإنه لا يقضي به على صاحب الحق عند مالك رحمه الله، وقضى به عمر للضحاك بن خليفة على عبد الرحمن بن عوف، وهو مجال للاجتهاد.

واعلم أنه مما يجب التيقظ له هنا التفرقة بين الضر وبين تعطيل منفعةٍ غير حاصلةٍ، فإن الضر هو إلحاق ألم بالمضرور، وأما تعطيل المنفعة فهو حرمان من وصول ملائم، فقطع المنفعة ضر، وتعطيل المنفعة ليس بضر، ولذلك يقال في الفقه: لا يضر بأحد لينتفع غيره. فهذا جماع ما عرض التنبيه عليه من مشكل هذا الحديث وتأويله؛ إذ أهمله شارحوه، قد خططت لكم به مسلكًا بينًا فانتحوه.

هذا وقد جاء هنا لفظ «لا ضرر» والمقصود به الإضرار، وكان الاستعمال يقتضي أن يقال: لا ضر، لأن الضرر بدون إدغام غير مستعمل إلا اسمًا للضرارة من عمًى أو زمانة كما في قوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]؛ لأنه مصدر ضرر بكسر عين الكلمة فتجيء على فتح العين في المصدر فيمتنع إدغامه، وأما ما عداه فليس جائيًا من فعل المكسور العين؛ فلذلك مصدره بسكون العين فيتعين إدغامه ولم أعثر على استعماله في غير ذلك، فإن كان ما وقع هنا لفظًا نبويًا وهو الظاهر فهو شاذٌ، وقد يكون مسوغه المزاوجة بينه وبين لفظ ضرار في كون كليهما بالفك. والمزاوجة تسوغ مخالفة القياس. ومما حسنها هنا أن الجملة جرت مجرى المثل ولذلك لا تغير؛ لأن الأمثال لا تغير. وقد شاع استعمال الضرر بمعنى الضر في كلام العلماء، وفي كتب الفقه لكني لم أظفر له بشاهد من كلام الفصحاء غير هذا الذي في الحديث، وكلام «القاموس» غير بين، وكلام «اللسان» لم يأت عليه بشاهد فتأمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015