يعني بذلك أنه لا ولاء بينهما، فالسائبة في العبيد بمنزلة الخليع في الأحرار، لم تبق صلة بينه وبين معتقه، يريد معتقه بذلك أن يتبرأ من تبعاته، ولعل ذلك كان منهم فيمن خبثت أعمالهم من عبيدهم، ولما وقع ذلك في الإسلام جريًا على ما كانوا يقصدون منه في الجاهلية، ولم يختلف علماء الإسلام أن ذلك لفظ يقتضي حرية ذلك العبد وإنما وقع الخلاف في ترتب أثر هذا القصد وعدمه، ولذلك وقع في رواية أصبغ عن ابن القاسم في «العتبية» أن مالكًا كره العتق بلفظ السائبة، قال: لأنه كهبة الولاء. ولكن الرواية المشهورة عن مالك أن ولاء السائبة للمسلمين وجعله بمنزلة أنه أعتقه عن جماعة المسلمين. وروي مثل ذلك عن عمر، وعبد الله بن عمر، وابن عباس. وقال عمر ابن عبد العزيز، وابن نافع، وابن الماجشون: ولاؤه لمعتقه، لحديث: «الولاء لمن أعتق» فالولاء لا يقبل النقل، وهو قول الشافعي. وسيأتي في كتاب العقول أن جناية السائبة في قتل الخطأ لا عقل فيها على أحد، فهذا إفصاح القول في هذا الباب.
«قال مالكٌ في الرجل يشترط على مكاتبه، أنك لا تُسافر، ولا تنكح، ولا تخرج من أرضي إلا بإذني، فإن فعلت شيئًا من ذلك بغير إذني، فمحو كتابتك بيدي. قال مالكٌ: ليس محو كتابته بيده إن فعل المكاتب شيئًا من ذلك، وليرفع سيده ذلك إلى السلطان».
إنما لم يجعل للسيد محو كتابة مكاتبه حسب شرطه؛ لأن إبطال تلك المكاتبة إبطال عقدة بين شخصين، فهي في معنى الخصومة، فلا يولى نقض تلك العقدة إلا الحاكم؛ إذ ليس لأحد المتعاقدين أن يكون خصمًا وحكمًا، وما نُصب القضاة إلا لكي لا يحكم الناس لأنفسهم بأنفسهم. ونظير هذا قول «المدونة» في كتاب النكاح الأول: