وإذا كان القائف قد استند لشبه الولد بكلا الرجلين؛ فلعل سبب ذلك أن شبهه بأبيه هو الأصل وشبهه بالآخر كان من كثرة نظر الأم إليه وقت الوحم، فلا تحسبن قضاء عمر مستندًا لقول القائف ورجوعًا إلى كلامه بعد أن أعرض عنه ولا أنه اعتداد بأن صفة المرأة صدقته لظهور أن ما وصفته المرأة لا يقبله عمر - رضي الله عنه -؛ لمخالفته لكلام الصادق المصدوق في سبب شبه الطفل بأبيه تارة وبأمه تارة؛ فإنه يقتضي أن الشبه يتقرر وقت التخلق الأول، فلا صحة لما تعلق به القائف من كلام المرأة، وكلام الأطباء يؤيد ما في الحديث. ولو كان عمر قد استند لقول القائف كما يتراءى بادئ النظر؛ لقضى عمر بأن ولاء الولد لكلا الرجلين ولم يخيره في أن يوالي أحدهما، كما هو ظاهر لمن أجاد التأمل؛ فلم يبق فيه مشكل.
قال مالك: الأمر عندنا في الرجل يهلك وله بنون؛ فيقول أحدهم: قد أقر أبي أن فلانًا ابنه، أن ذلك النسب لا يثبت بشهادة واحدٍ ولا يجوز إقرار الذي أقر إلا على نفسه في حصته من مال أبيه يُعطى الذي شهد له قدر ما يصيبه من المال الذي بيده.
قوله: «من المال الذي بيده» متعلق بقوله: «يصيبه» لا بقوله: «يعطى» والضمير المنصوب بفعل «يصيبه» عائد على «الذي شهد له»، والضمير المجرور بالإضافة في قوله: «بيده» عائد على «الذي أقر» أي: يعطي المشهود له مقدار ما ينقصه منابه من مناب الشاهد المقر لو كان ذلك المشهود له وارثًا، أي: يأخذ من مناب المقر جزء مناب وارث مجزءًا على عدد الورثة.
وكلام الإمام هنا يقتضي أنه لا يثبت نسبه بالشاهد واليمين. والمسألة فيها اضطراب في حكاية أهل المذهب كما في المختصرات.
وقع فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى» إلخ؛