عمر للغلام: وال أيهما شئت.
إضافة (أولاد) إلى (الجاهلية) في قوله: (أولاد الجاهلية) للتخصيص، أي: الأولاد الذين تكونوا عن أحوال أهل الجاهلية المخالفة لأحوال الإسلام، وتلك هي البغاء، والاستبضاع، والسفاح. وقد حرمها الإسلام وأقر النكاح الذي هو على وصف النكاح في الإسلام، كما جاء في «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها، فالبغاء كان من الإماء، كن يزنين بأجر فإذا حملت إحداهن ووضعت جمعت الأمة من كان يدخل عليها ودعوا القافة فألحقت القافة ولدها بالذي يرون؛ فيلتاط به ويدعى إليه ولا يمتنع من ذلك، والسفاح معروف.
فالمراد من أولاد الجاهلية هنا أولاد البغاء أو أولاد السفاح وهم الأولاد الذين دخل قومهم في الإسلام بحدثان عهد خلافة عمر أو قبلها بقليل مثل: الأبناء من بني بكر بن وائل، ومن لخم، ونحوهم من عرب العراق، أو الأبناء الذين تغافل آباؤهم وأولياؤهم عن ادعاهم إلى أن كانت خلافة عمر؛ وبذلك يُؤذن وصف الولد المتنازع فيه في هذه القضية بأنه غلام، وإنما كان يليطهم بمن ادعاهم إذا لم يولدوا لفراش سيد الأمة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ولد وليدة زمعة بأنه لزمعة ولم يقض به لعتبة بن أبي وقاص، وعلى نحو قضاء عمر هذا قضى معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان من الأمة سمية؛ إذ لم يدعه غير أبي سفيان، ولم يعبأ بإنكار أبي بكرة.
ولما ادعى الولد في القضية المذكورة في «الموطإ» رجلان جلب له القائف، فلما لم يلحقه القائف بمعين وجاء بكلام يدل على اضطراب وتردد ضربه عمر تأديبًا له وألغى حكمه وسأل المرأة لعلها تُليطه بأحدهما، فقد كانوا في الجاهلية يأخذون بقول المرأة في السفاح إذا عينت الولد لأحد الرجال الذين يغشونها، فلما لم يجد من كلامها ما يعين نسبة الولد لأحد المتداعيين فيها ألغى قولها، وقد تجردت دعويا الرجلين كلتيهما عن مرجح يرجح إحداهما؛ فلذلك جعل عمر الخيار للولد أن يوالي من شاء منهما، وليس قضاؤه ذلك استنادًا لكلام القائف، إذ هو قد ضربه، ولا استنادًا لكلام المرأة؛ إذ كلامها اختباط مبنيًّ على جهلها بأسباب تكوين الأجنة في بطون أمهاتها.