سهلة، فلم يؤثر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لأحد غير سهلة مع توفر الدواعي على سؤالهن الرخصة منه؛ لأن الناس كلهم قد علموا أن الرخصة لا يُقاس عليها وأنها يفوز بها السابق، فلو تلاحق به الناس وألحقوا لآل الأمر إلى إبطال الحكم. وكان ما رأته عائشة في ذلك شذوذًا لم يأخذ به أحد من الصحابة سوى أن أبا موسى الأشعري أفتى به ثم خطأ نفسه حين راجعه عبد الله بن مسعود، ولم يكن ما فعلته عائشة إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يصحبه تقرير شرعي.

* * *

وقع فيه قوله: فقال أبو موسى: «لا تسألوني عن شيءٍ ما كان هذا الخبر بين أظهركم» الخطاب لأهل الكوفة، والحبر هو عبد الله بن مسعود. وإنما نهاهم أبو موسى عن أن يسألوه إعلامًا بفضل ابن مسعود وعلمه وإراحة لهم من عناء التردد على أبي موسى للاستفتاء؛ لأنه يردهم إلى ابن مسعود؛ إذ قد علم أنه أضلع منه في فقه الفتوى.

وفيه دليل على أن المستفتي مكلف باستفراغ الجهد في سؤال من يعتقده أرجح علمًا، وأنه لا يجوز تقليد المرجوح علمًا مع تحقق رجحان علم غيره غالبًا.

وهذا أصل لوجوب بحث المقلد عن مجتهد يرجح غيره أو يساويهم إن استطاع ذلك.

وفي كلامه دلالة على انهم يسألونه إذا غاب ابن مسعود عنهم، وأنه يفتيهم مع كونه قد رأى من نفسه الخطأ في مسألة الرضاع؛ لأن المفتي ليس مطالبًا بإصابة الحق في نفس الأمر، بل هو مطالب بالاجتهاد في الأدلة بحسب علمه مع كونه يعتقد نفسه أهلاً للفتيا ويرجو إصابة الصواب غالبًا، وإنما اعتمد أبو موسى على ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة». وعلى ظاهر فتوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسهلة بنت سهيل في إرضاعها سالمًا مولى أبي حذيفة، كما اعتمدت عائشة رضي الله عنها. وكان ابن مسعود أفقه إذ علم إن محل الحديث الرضاعة التي هي غذاء للطفل؛ فهو من حمل لفظ الرضاعة على معناه المقصود شرعًا دون ما هو كالعبث؛ وإذ علم أن مسألة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015