أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله: «لا»، قال سعد: بلى والذي أكرمك بالحق. وفي رواية أنه قال: لو وجدت مع امرأتي رجلاً لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله: «نعم»، قال: كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، وفي «صحيح مسلم» جاء عُويمر العجلاني مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً؛ فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظٍ»، فنزل الوحي يجعل مخرجًا للأزواج إن حملهم الغضب والغيرة على قذف أزواجهم، نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآيات عقب آيات: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]؛ فكان حكم اللعان الذي شرعه الله للأزواج رخصة وعذرًا. وكان أول لعان وقع في الإسلام لعان عُويمر العجلاني وزوجه خولة، فما راعت الشريعة في ذلك إلا دوافع الفلتات اللسانية التي تغلب الغيرة صاحبها على صبره وإمساك لسانه؛ وإذ قد كان من الغيرة ما يخيل للرجل في امرأته ما ليس فيها وما يُزوي إليه من قرائن كاذبة يجمعها وينسقها يومًا فيومًا لا سيما إذا صادف الرجل المغيار امرأةٌ مدلة بجمالها، أو غرة في أحوالها، أو محسدة من أختانها وعذالها، فقد قيل في المثل: «من يخل يره» وقال أبو العلاء:

ومثلك من تخيل ثم خالا

لم يجعل الشرع الحق للرجل وحده في تأييد دعواه بالملاعنة، بل جعل للمرأة حق الدفع لما ألصقه بها زوجها؛ فجعل لها أيماناً خمسة أيضًا لتكذيبه وتبرئة نفسها. وقد يكون كلاهما صادقًا في يمينه؛ فالرجل يعتمد على ظنه وعلى ما خيلته له نفسه، والمرأة تعتمد على عفافها وبراءتها، فإن الصدق في مثل هذا تابع للظن لا لما في نفس الأمر. وأما قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين: «أحدكما كاذب» في حديث ابن عمر في «صحيح مسلم»؛ فيحتمل أن ذلك خاص بذنيك المتلاعنين، ويحتمل أن المراد: أحدكما كاذب بحسب نفس الأمر وإن كان كل موافقًا لما في ظنه؛ وذلك يسمى صدقًا. فهذا ما ثبت من اللعان بحكم القرآن، وما مضى من السنة لم يختلف فيه أئمة المسلمين، وهو عمل عظيم بطل به ذلك التفويض الذي كان للزوج في الجاهلية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015