كان العرب أصحاب غيرة على النساء وكانوا يتمادحون بالإفراط في تلك الغيرة، وكانوا يعدون اتصال المرأة بغير زوجها عارًا على زوجها إن كانت ذات زوج وعلى أوليائها إن لم تكن متزوجة، ويرون السكوت على ذلك ضعفًا واعتداءً، ويجعلون جزاء ذلك القتل، يقتلون المعتدي على كرامتهم دفعًا للمعرة؛ لأن السيف يغسل العار كما قال سعد بن ناشب:
سأغسل عني العار بالسيف جالبًا ... علي قضاء الله ما كان جالبًا
وعلى ما احترسوا وراقبوا فإن أمر التخادن والزنا كانا فاشيين فيهم، قال امرؤ القيس:
تجاوزت أحراسًا إليها ومعشرًا ... علي حراسًا لو يُسرون مقتلي
وفي حديث الصحيح أن سعد بن عبادة قال في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو وجدت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفحٍ» أي: غير ضارب بصفحة السيف بل بحده ضرب قتل. ومن أجل تلك الغيرة اندفع كثير منهم إلى جريمة الوأد، فإذا عرضت في المرأة ريبة أو اشتهرت بالخنا تطرقت الألسنة إلى الطعن في نسبة أولادها إلى صاحب عصمتها، وكانوا يخوضون في ذلك بالظنة، ويتقولون على الناس؛ وبخاصة في المهاجاة والتعيير؛ فتشيع القالة، ولم يكونوا يتوخون الصدق في ذلك، فكانت حالتهم في مجموع الأمرين فوضى غير جارية على حد محدود ولا على حق مشهود.
فلما ظهر الإسلام حد للحقوق حدودًا، واجثت منهم أسباب الفوضى، وكان فيما شرعه القصاص من القاتل، ونزع منهم ما كان مشهورًا بينهم من عذر الرجل إذا قتل رجلاً وجده في بيته وزعم أنه وجده مع امرأته على حالة غير مرضية، وسوى في التحريم بين أن يزني الرجل وأن تزني المرأة؛ وشرع حد القذف، وجعل قذف الرجل امرأته كقذفه أجنبيًا عنه، فنزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، فكبر ذلك عليهم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله: