لا شبهة في أنَّ النكاح في اللُّغة وفي الشريعة هو عقد التزوج؛ ولذلك يقال: نكحت المرأة قال تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وأما حَمله على الدخول بالمرأة في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}؛ فذلك قيد في مطلقة أثبتته السنة الصحيحة وليس من دلالة اللغة.
وقع فيه قول مالك: وتفسير قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما نرى والله أعلم «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه»: أن يخطب الرجل المرأة، فتركن إليه ويتَّفقا على صداقٍ واحدٍ. الخ، هذا التفسير تأويلٌ لظاهر الحديث، والدليل على تأويله القاعدة القطعية المستقراه من الشريعة وهي درء الفساد، فإن الفساد حاصل لو حمل الحديث على ظاهره، وليس فيما تأول به الإمامُ الحديثَ فساد؛ لأنَّ الخاطب لا يحصل له حَرج من خطبة أحد على خطبته ما لم يكن قد بدا له من المخطوب إجابة وتراكن، ولو فرض حصول حرج لبعض الناس؛ فذلك غير جار على قواعد التعقل المعروفة، فلا يعتد به في الشريعة لندرته.
قوله: وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: {ِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فهن النسوة اللاتي قد دخل بهن {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فهو الأب في ابنته البكر والسَّيدُ في أمته، وهذا الذي سمعتُ في ذلك وعليه الأمْرُ عندنا.
يعني: فالآية أومأت إيماءً إلى حالتين معروفتين بين المسلمين؛ فالعفو المسند إلى ضمير النساء هو عفو النساء اللاتي لهنَّ أن يعفو وهنَّ النساء المالكات أَمْرَ أنفسهنَّ فقوله: «اللَّاتي قد دُخل بهنَّ» أي: اللاتي قد كُنَّ دُخل بهنَّ في نكاح قبل هذا؛ لأنَّ الآية في طلاق قبل الدخول؛ فتعينَّ أنَّ مراد مالك أنَّهنَّ دُخل بهنَّ فيما سلف، أي: النساء الثيبات، وقد كان هذا الكلام يستشكل ولم يشرحه الشارحون.