الشهداء في سبيله؛ إذ لم يكن فيه تقييد. وكان جوابه ثاني مرَّة عن وحي ناسخ لما تقرَّر من الإطلاق، وهو تقييده بالدَّين الذي للنَّاس عليه، إذا أخَّره عن غيره اضطرار فكان تأخيره خطيئة، أو بجميع التبعات التي للناس. وإلى هذا الثاني ذهب شراح الحديث.
وأقول: فإن كان الأوَّل فذكر الدين بخصوصه ظاهر، وإن كان الثاني فذكر الدين خاصة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم بوحي أنَّ السائل مَدِين، وأنَّه مما أراده في سؤاله ليؤخر قضاءه طمعًا في الشهادة، وتكون حقوق الناس المعتدى عليهم كلُّها بمنزلة الدين بطريق القياس، فإنَّ من الاعتداء ما هو أشدُّ من الدين، فلا حاجة إلى دعوى أنَّ التشديد في أمر الدين كما قبل الفُتوح.
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للسائل: «كَيْفَ قُلْتَ؟ » ليس المقصود من استعادة كلامه التحقق فيه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أجابه عن تحقٌّق سماع كلامه، وإنَّما المقصود اختصار الجواب؛ لئلا يكون رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هو المعيد للسؤال.
وقع فيه قول مالك في عمر بن الخطاب: «وكان شهيدًا يرحمه الله».
فجاء في الترحُّم عليه بصيغة المضارع لقصد تجديد الرحمة من الله على عمر بن الخطاب، وقد شاع عند أهل اللسان أنَّ الترحُّم والاستغفار إذا كان فيه شيء من الإنكار يكون بلفظ المضارع كقول عائشة حين بلغها أنَّ عمر قال: إنَّ رسول الله اعتمر في ذي القعدة، وأنكرت ذلك: «يرحم الله أبا عبد الرحمن» الخ، فمعنى ذلك أنَّ مقام الإنكار إذا أراده المتكلم لا يأتي فيه بالترحم والاستغفار بصيغة الماضي. وليس المراد أنه كلَّما جيء فيه بصيغة المضارع دلَّ على الإنكار على أن القرينة مرجع في مثل هذا.