ثم قال له: إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله؛ فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له؛ وسجد قومًا فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فضْرِبْ ما فحصوا عنه بالسيف ... إلى آخر الحديث.
أراد بالقوم الذين يزعمون أنَّهم حبسوا أنفسهم لله (الرهبان). وأراد بالقوم الذين فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر (طائفة من رؤساء النصارى)، كان دأبهم تحريض قومهم على عداوة المسلمين وقتالهم خَلص العلم بأحوالهم إلى الصديق - رضي الله عنه - فإن رئاسة النصارى في تلك الأوقات كانت لأهل الدين. فهذه الطائفة جعلت علامة انقطاعها إلى تجهيز شؤون الاستعداد لقتال المسلمين فحصَ شعر رؤوسهم؛ ليعرفهم أتباعهم، ودَهْماؤهم، فيقتدوا بأوامرهم.
وقوله: «فاضرب ما فحصوا عنه» هو الرأس، فليس الأمر بقتلهم؛ لأنهم حلقوا شعر أوساط رؤوسهم؛ إذ لا يتعلَّق بذلك غرض ديني، بل الأمر بقتلهم؛ لأنهم يقاتلون ويحرصون وتلك علامة لهم.
وقع فيه قوله عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -:
«إذا بلغت وادي القرى فشأنك به».
فقوله: «فشأنك به» كلمة تستعمل بمعنى أفْعل به ما شئتَ، فهي كلمة إذْنٍ بالتمليك، والشأن فيها بمعنى الأمر يجوز نصبه بإضمار فعل نحو: اعمل أو اجعل، والباء للتعدية، والمجرور متعلَّق بذلك الفعل المُضمر. ويجوز رفع «شأن» بالابتداء، والمجرور خبر، والباء للظرفية، أي: فأمرك فيه كائن، أي: نافذٌ.
سئل مالك عمن قتل من العدو: أيكون له سلبه بغير إذن الإمام؟ . فقال: لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام، ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد،