{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، حين تأثموا من التجارة أيام الموسم، فكان قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مجملاً بينَّه سبب النزول؛ فهذا وجه الاستدلال بالطريقة الجدلية أو جزتْه عائشة؛ لبلاغتها وذكاء سائلها، وهو من غرر الأدلة.
وأحسب أن تحرُّج الأنصار وسؤالهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السعي بين الصفا والمروة أنَّ الله لما أبطل عبادة الأصنام وتنزَّهوا عن زيارة إساف ونائلة الصنمين اللذين كانا وضعا على شط البحر حذو قديد في المشلَّل، كما ورد في حديث عن هشام بن عروة عن أبي معاوية. وقد علم الأنصار أنَّ إسافًا ونائلة كانا موضوعين على الصفا والمروة وأنهما لمَّا نقلا إلى الشاطئ، تركوا السعي بين الصفا والمروة استغناء عنه بالسعي بين الصنمين في حيث نقلا. وبقي بعض العرب يسعى بين الصفا والمروة مثل أهل مكة، فظنَّ الأنصار أن السعي من مآثر الشرك وأن الصفا والمروة ليسا من الشعائر مثل الكعبة؛ فنفي ذلك بقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. وفي هذا الأثر عن أبي معاوية شكٍّ؛ إذ لا يعرف في تاريخ العرب أنَّ إسافًا ونائلة نقلا من الصفا والمروة إلى موضع غير ذلك، وقد جاء ذكرهما في مدَّ البعثة في قول أبي طالب:
وحيث ينيخ الأشعرون رحالهم ... بملقى السيول بين سَافٍ ونائل
فالوجه أنَّ الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية لا يعبدون إسافًا ونائلة ويعبدون اللَّاتَ؛ فكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة ويرون السعي بينهما إعراضًا عن عبادة اللات، فلمَّا أسلموا تركوا اللات لإسلامهم، وتركوا السعي بين الصفا والمروة؛ لأنَّهم كانوا تاركيه من قبل.